«يا حاملَ السيفِ» خَـلِّ السيفَ ناحيةً ليسَ الصليبُ حديداً كانَ بلْ خشَبا
إذا نظـرتَ إلـى أَينَ انتـهَتْ يـدُهُ وكيفَ جاوَزَ فـي سلطانهِ القُطُبـا
علِمْـتَ أنَّ وراءَ الضعـفِ مقـدِرةً وأنَّ للحـقِّ لا للقـوّةِ الغَـلَبـا
أحمد شوقي: «مع بعض التصرُّف»
نبتهجُ… ونحن نكتب عنه، لقد ملَلْنا الكتابة عن الشياطين. نستحضره… لعلنا نحدِّد معهُ مفاهيمَ الضعفِ والقوَّة، في عالمٍ تحوَّلتِ القوةُ فيه الى عنـفٍ، والعنف يغتال قوَّةَ الضعف.
بقوَّةِ ضعفهِ الملكوتي جاوزَ سلطانهُ سائرَ أقطابِ الغرب فهزَّ عروشَ القياصرة، وعمَّ أرجاءَ المشرق وأنحاء الجزيرة العربية: مِنَ ملوكِ مناذرةٍ، الى شيوخِ قبائل، ومئاتٍ من الأديرة والأساقفةِ بمن فيهم الراهب ورقة بنْ نوفل إبنُ عمِّ السيدة خديجة زوجة الرسول.
هذا الرسول الإلهي، عندما صوّره الفيلسوف الإلماني «نيتـشه» رجلاً ضعيفاً متمسكناً، إنبرى له جبران خليل جبران بالقول: «عاشَ المسيح ثائراً وصُلِبَ متمرداً ومات جباراً…»
هذا الثائرُ الأكبر، نستحضره اليوم ونحن نشهد ثورةَ المظلومين على الظالمين واحتضارَ العدلِ في الأرض على حدِّ جوْرِ السيف وسفْكِ الدمِ البريء.
في الصراع التاريخي: بين تعسُّف السيف وثورة الشعب كانت الشعوب تحطِّم دولةَ السيفِ باللحْمِ وتكتب دولةَ الحقِ بالدم.
كلُّ ملايين الرؤوس التي تدحرجت على أيدي: ستالين وهتلر وموسوليني لـمْ تفلح في إرساءِ طغيان الحكم العنيف على إرادة الشعب الثائرة.
على أن القوة العادلة إذا استُعْمِلَتْ لتوطيد الحقّ، تصبح قوةً محقَّةً كمثل سيف الإمام علي بن أبي طالب الذي كان وسيلة هدايةٍ ضدَّ الذين «رفضوا حجةَ الله فكان السيف شافياً من الباطل وناصراً للحق».
بهذا المفهوم تتحدد معاني القوة، بما في ذلك قوة لبنان القوي والجمهورية القوية والرئيس القوي، أي قوةٌ تنتزعُ حقَّ الشعب المستضعف من طغيان السلطان المستقوي.
يقولون: إنَّ صوتَ الشعب من صوت الله، والذين حكمونا على مدى السنين الخوالي، كان صوتُ الذهبِ عندهم هو الأقوى، وبغريزةِ عبادةِ الربَّين باعَ ربُّهمْ المزيَّف ربَّنا السماوي بثلاثين من الفضة وعلَّقونا على أخشابِ الذُلِّ مصلوبين، لا موت ولا قيامة.
المسيحُ الذي مرَّ بين المدن العشر في منعطف لبنان الجنوبي حتى النبطية… «… ثـمَّ خرج من هناك إلى تخوم صور وصيدا (1)»، أعلن البشارة الإنجيلية الأولى في عرس قانا، وكانت معجزةُ إشباع الجياع بالأرغفةِ الخمسة والسمكتين.
ونحن الذين نركض اليوم في ثورة الجياع وراء الرغيف نخشى أن يُصبحَ سـدُّ رمَقِ الجوعِ عندنا في حاجةٍ الى مسيح.
-1 مرقس: 7: 24–31