غداً عيد ميلاد سيدنا يسوع المسيح. بعيداً من زحمة السير والأمسيات والهدايا، تبقى للعيد معانيه. والعودة الى أهمية الحدث الذي صنع تحولاً في التاريخ، ومعه انطلقت مسيرة ايماننا المسيحي بما يكتنزه من معاني الحب والعطاء والسماح والفداء: هذا أساس العيد.
يعود عدد من اللبنانيين كل سنة للاحتفال بالعيد في بلدهم ومع ذويهم بعدما اضطرتهم الاوضاع الاقتصادية الى مغادرته لايجاد فرص عمل افضل. وها هم يشاركوننا اليوم زمن الاحتفالات والتراتيل الميلادية وموسيقى الترنيم، مع اولاد يلهون بلعبهم، وآخرين ينتظرون هدية بابا نويل. مطاعم وفنادق تنتظر روادها بعدما عانت الكثير في المواسم السياحية السابقة جراء الاوضاع الامنية، وزحمة سير… هذا ما يشهده لبنان واللبنانيون في الايام القليلة التي تسبق العيد.
جميل ان يشهد لبنان زحمة، وقطع طرق من اجل الفرح، وليس لإحراق الإطارات وإبداء احتجاجات اعتادها البعض بطريقة تنتهك حرية الآخرين، من اجل مطالب مياومين أو سلسلة رتب ورواتب، أو حتى لإنشاء جسر. صحيح اننا بسبب العيد نبقى ساعات محتجزين في السيارات، لكننا نعلم، هذه المرة، ان الزحمة بركة إيجابية، وخصوصاً انها ليست لتعطيل الحريات والمسّ بالأمن وضرب الاقتصاد.
في زمن العيد، جميل أن يعود المغتربون لمعايدة أهلهم، وجميلة هي بسمات الاولاد ونظراتهم المشدوهة في انتظار العجوز بالاحمر والابيض حاملاً الهدايا. والأجمل من كل هذا، ان نصلي في منتصف الليل لنحتفل بولادة المخلص، وان نتذكر في هذه الدقائق، كل انسان يعاني، كل مَن خسر قريباً أو حبيباً، كل مريض، كل محتاج، كل شخص يعيّد في البرد، في الحاجة، او الوحدة والشيخوخة المستوحدة!
وإذ نتذكر كل بعيد من وطنه واهله في العيد، فأولى بنا تذكر شهداء جيشنا الذين سقطوا هذه السنة، وهم كثر، ونولي عيالهم وأولادهم بعض الاهتمام، وهم يعيّدون من دونهم هذه السنة، والدمعة في عيونهم، كما نفكّر في العسكريين المخطوفين وأهاليهم الذين يعيّدون بالقلق والخوف والحسرة في قلوبهم، ولا يمكن ان تكتمل فرحة العيد من دون عودتهم !
في زمن العيد نفرح ونصلي، ونتمنى للبنان سنة جديدة مختلفة، سنة افضل، سنة عودة الاستحقاقات الدستورية والديموقراطية وانجازها وفق القوانين والدستور.
نتمناها سنة جديدة لا يعرف فيها اللبنانيون مزيداً من الموت على الطرق، وسنة لا يعرفون فيها الحزن والحاجة والخوف.
فلنصلِّ في العيد لتتحقق أهم امنياتنا التي نحتاج الى ولادتها في شكل ملحّ، ألا وهي الارادة الوطنية الجامعة والقرار الموحّد للتغيير بكل معانيه، وهما القادران على تحقيق الطمأنينة والوحدة الحقيقية اللتين لا ميلاد حقيقياً للبنان من دونهما.
فلنصلِّ لعلنا نستحق هدية الميلاد.