IMLebanon

العودة إلى نظرية التفوق العددي: المسيحيون الى الـground zero!

 

4 مؤشرات مطلوبة للتأليف من إحترام الوقائع والحقائق إلى وحدة المعايير

 

عاد الرئيس سعد الحريري، أو يكاد، الى السرايا الحكومية.

 

باتت الصفقة التي أعادته رئيساً للحكومة، واضحة المعالم، قائمة في شكل أساس على حكومة محاصصة مع القوى السياسية التي تمثل المسلمين، معطوفة على مصادرة التمثيل المسيحي، ما خلا الواهن منه، على الأقل حتى الآن، الى أن يثبت العكس. والعكس هنا يفترض بالحريري أن يتواضع ويعود الى بعض من الصواب، فيطلق جولة مشاورات معلنة، لا كما فعل قبل التكليف، واسعة الإطار والمضمون، قائمة في شكل أساس على تحديد آلية تشكيل حكومته من حيث وحدة المعايير لا إنفصامها، كما كان قائما قبل التكليف، بالطبع الى جانب وظيفتها الإصلاحية. والإصلاح في هذا السياق لا يستقيم من دون التدقيق التشريحي، الهاجس الذي جمع غالبية رعاة عودة الحريري، متخطين التنافر والتناقض والعتب واللوم واللؤم والغضب، جامعهم الوحيد الحقائق الذي سيكشفها التحقيق الجنائي عن المليارات المنهوبة والموهوية والضائعة، وعن الخسائر الهائلة في النظام المصرفي والتي أدت الى ذوبان ودائع اللبنانيين، سرقةً، ومن ثم مصادرة كما هو حاصل في عملية قص الشعر الحاصلة على الحسابات بالدولار.

 

إذن، يحكم عودة الحريري على رأس الحكومة أمور محورية عدة:

 

1- إحترام الوقائع والحقائق، بحيث لا يقفز مجددا الى الخيارات الوهمية كمثل حكومة الاختصاصيين، وهي فعليا حكومة إختصاصيي الاحزاب الراعية، من المال الى التربية والصحة، مع الإشارة الى أن تصريحه في إثر انتهاء الاشارات لا يوحي بأن الرجل نزل عما كان عليه قبل التكليف، خلافا لما قاله للوسطاء. كان يرد على من يراجعه بضرورة الحوار مع القوى المسيحية، بأنه ممتنع قبل التأليف، وسيبادر بعده. والحقيقة أنه حاور قبل التكليف، لا بل عقد الصفقة مع كل من الثنائي الشيعي والحزب التقدمي الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي وتيار المردة وكتلة النواب الأرمن والمتفرقات المسيحية الأخرى. وإلا كيف يُقارَب إضطراره الى مسايرة الكتلة القومية المنبثقة من حزب سبق لتيار «المستقبل» أن كال بحقه شتى أنواع التوصيفات، من القتل صعودا؟

 

المطلوب لتطمأنة المسيحيين الاقلاع نهائياً عن قانون انتخابي يجعل لبنان دائرة واحدة

 

2-حكومة تكنوسياسية قادرة وفاعلة، والأهم راغبة في الإصلاح، يكون بند التدقيق التشريحي أول بنود البيان الوزاري. وهذا هو المؤشر الاول والاساس الى الرغبة الإصلاحية، لا الكلام المنمق عن مكافحة الفساد، فيما الحقيقة في مكان آخر.

 

3-وحدة المعايير، بحيث يتحقق المعيار الواحد على كل القوى التي ينوي التشاور معها، من آلية التشكيل الى التوزيع الوزاري العادل والنسبي بين الافرقاء، لا أن ينحو الحريري الى مكافأة من سمّاه، لو كانت التسمية واهنة وما دون، ويعاقب من إمتنع.

 

4-لا يستقيم كل ذلك من دون حوار جدّي ينقّي الماضي القريب، ويصفّي النوايا، ويبدد الهواجس، يقوم على مكاشفة صريحة ونوعية، وعلى إحترام الآخر وليس على اقصائه بإستظلال نظرية التفوق العددي، تلك التي يعاد إحياؤها كلما رفع المسيحيون صوتهم، إعتراضاً أو ألماً.

 

5-ولأن الشيء بالشيء يذكر، لا بدّ من قطع نهائي مع نظرية التفوق العددي. إذ لم يعد جائزا لأحد، مهما علا موقعه، أن يعيّر المسيحيين بأنهم باتوا أقلية لا يتجاوزون الـ 20% من مجموع اللبنانيين، وأن نزيفهم الناتج من الهجرة يُضمر حضورهم، وإستنتاجاً يقلّص تأثيرهم، وتدريجا يقزّم مشاركتهم في الحكم، وصولا الى الـ ground zero، سياسيا وربما ديمغرافيا. وهذا الكلام ليس مجرد خيال علمي. جاهر به أخيرا أحد المسؤولين، ووصلت أصداؤه الى الفاتيكان وواشنطن وباريس. وسبق أن هُدّد به رئيس حزب مسيحي حين مشى بقانون اللقاء الأرثوذكسي، قبل أن يستدير إستدراكا وربما خوفا وتخوفا حين سمع كلاما صريحا عن أن الارثوذكسي يساوي العودة الى العددية، وتاليا لن تحلم الأقلية المسيحية بأكثر من حجمها العددي (ثلث المجلس حداً أقصى). مذاك تردد الكلام نفسه مرارا وتكرارا.

 

يتطلب القطع النهائي مع الفكر العددي الساكن قلوب كثيرين وعقول منظريهم، مصارحة ومكاشفة كاملة مع المسيحيين. وبالتأكيد لن يطمئن هؤلاء لا شطط المسؤول في كلامه غير المسؤول، ولا العودة الى نظرية قانون انتخاب يجعل لبنان دائرة واحدة.

 

يحمل هذا المنطق العددي بعضاً من تواطؤ والكثير من السأم وخيبة الأمل.