الجيوبوليتيك يقضّهم فيستعيدون السيناريوات المظلمة من حرب الجبل إلى إستقلال 2005
لا يخفى أن التطورات الأميركية، وما هو متوقع او مرتقب من عصف قد يحل على المنطقة في الأيام الستين المقبلة، تطغى على أي إهتمام لبناني رسمي، بما فيه زيارة رئيس خلية الأزمة الفرنسية باتريك دوريل، رغم ان الرجل يأتي بصفته مبعوثا رئاسيا، لا ديبلوماسيا في الإليزيه فحسب.
يتسقّط المسؤولون في بيروت ما يأتيهم من معطيات عن التطورات الأميركية. يهتمون بتفاصيل المرحلة الإنتقالية في واشنطن. هم، مع تسليمهم بالتغيير الرئاسي نتيجة فوز جوزف بايدن، لا يسقطون إمكان أن يسجّل دونالد ترامب مفاجأة، قضائية على الأرجح، قد تقلب نتيجة التصويت الرئاسي وتكرر سابقة العام 2000، في إستعادة لسيناريو فوز جورج والكر بوش على منافسه ألبرت أرنولد غور الابن، بقرار من المحكمة العليا.
لن يستسلم دونالد ترمب بيُسر لنتائج الإنتخابات ولن يسلّم البيت الأبيض بسهولة. عقب النتائج، بادر الى الإنتقام من وزير دفاعه مارك توماس إسبر (المتحدر من جذور لبنانية) لأنه إمتنع عن وضع الجيش في مواجهة المتظاهرين، الى جانب 3 من المسؤولين الرئيسيين في البنتاغون. فيما وزير خارجيته مايكل بومبيو يستعد لجولة في المنطقة على قدر كبير من الأهمية تتناول خصوصا الملف الإيراني، ستلي جولة تمهيدية للمبعوث الخاص للشأن الإيراني في الخارجية إليوت أبرامز، الرجل الأخطر في الإدارة راهنا، المعروف بالإسم الكودي «مهندس الحروب»، في ضوء تنامي الكلام عن إحتمال ضربة عسكرية لإيران في المساحة الاميركية الإنتقالية. ويترافق كل ذلك مع التهديدات الإسرائيلية المتواصلة والمناورات التي يقوم بها الجيش عند الحدود الشمالية مع لبنان.
وسط هذا العصف، يبحث مسيحيو لبنان عما يريحهم ويخفف هواجسهم، لكن من دون طائل:
متابعة لبنانية لحركة «الكودي» الأميركي في المساحة الأميركية الإنتقالية
أ-أمهم الحنون زاد شقاقها عنهم. صغُرتْ كثيرا، حتى باتت تبحث عن إنتصار لبناني صغير، على أنقاض النكسة الجيوسياسية الناتجة من صدامها مع تركيا. يضمر حضورها تباعا، من المشرق العربي الى القرن الأفريقي (أزمتها في مالي على سبيل المثال).، فيما ذراعها الأبرز توتال تضرس في أكثر من مكان وحقل غازي، وصارت أسيرة العصف التركي – الداعشي (موزامبيق مثل صارخ).
ب-واشنطن تدير لهم ظهرها. حزبهم، الأوسع تمثيلا وحضورا سياسيا وفي الوجدان، يُعاقب. أحزابهم الأخرى تركتها تتخبّط نتيجة غياب الرؤية، مما إستتبع تراجعا في المكانة، ومن ثم إنتفاء للصفة والدور.
يستذكر المسيحيون خيباتهم وخساراتهم الكثيرة، من حرب الجبل وسقوطهم الكبير امام جحافل الفصائل والحركة الوطنية والخداع الإسرائيلي على وقع قذائف نيوجيرسي الفارغة، الى يوم سقوطهم بالضربة السورية – الإسرائيلية المشتركة عام 1990، فإقصائهم من الدولة والدستور، بتعديلات سلخت صلاحيات الرئيس ونقلتها – إفتراضا – الى مؤسسة، لكنها وقعت في غير ما أريد لها أن تكون. ليجري، من ثم، تكريس ذلك المسار الإنقلابي بتغطية واشنطن وضع اليد السورية على لبنان ثمنا لمشاركة رمزية في حرب الخليج، حتى حلّ «إستقلال 05» إثر إغتيال رفيق الحريري. حينها خرجت سوريا، ورعت واشنطن، وسفيرها الأشهر، التحالف الرباعي (السابق بأشهر تسعة لتفاهم مار مخايل) مستعينة بقانون غازي كنعان الإنتخابي، فعزلت المكوّن المسيحي الأبرز (مما أدى لاحقا الى التسونامي الشهير)، ومن ثم كافأت من حالفها من المسيحيين بـ 3 وزارات هامشية في حكومة فؤاد السنيورة. وظلّت المكافآت الهزيلة حتى حكومة أيار 2008.
يستحضر المسيحيون كل هذا السرد التاريخي للعلاقة الوجدانية بالغرب، ليس لمجرّد الإستذكار، بل طلبا للتعقّل والتبصّر والإتعاظ.
تتشابه كثيرا الظروف الجيوسياسية الراهنة وتقلبات النفوذ والأهواء ومشاريع الصفقات، مع السيناريوات المظلمة السابقة الوصف، التي عاشها المسيحيون ولا يزالون يعانون ويدفعون ثمنها. يُشغَلون بعصا عقوبة وجزرة حكومة ومكافأة من صنف تلك المكافآت الهزيلة، فيما الجيوبوليتيك يَعصف بهم ومن حولهم. يخشون أن يكونوا مجددا كعب أخيل في سياق لعبة الأمم المتّقدة شررا من الخليج الى الخليج، مسلوبي الإرادة والحيلة والوزن والتاريخ.
خلاصهم الوحيد أن يفرضوا فرضا مكانا لهم، لو صغيرا، الى مائدة المفاوضات الآتية.
لن يكون لهم ذلك ما لم يوحدوا الجهود والرؤى، ويبحثوا عن المنفعة الجماعية، بدل الإكتفاء بفتات المكافآت الهزيلة!