قد لا يدرك زعماء مسيحيون أنّ المسيحيين في لبنان يواجهون فعلاً خطراً وجودياً، وأنّ كلّ الكلام والشعارات عن المناصفة ووقف العدّ وسلاح لحمايتهم من طرف من هنا وتطرف من هناك، هو كلام لا يعتدّ به في وطن لا أثر للوطنية فيه ولا تحكمه سوى المذهبية والطائفية، وكلّ كلام آخر هو فقط في سبيل إبقاء المسيحيين تحت رحمة هذه الطائفة أو تلك، لمآرب في نفوس أكثر من يعقوب.
بالرغم من هذا الواقع، تتسلّى القوى المسيحية ببعضها البعض، ولا يرى قادتها ولا سيّما الموارنة منهم، سوى كرسي رئاسة الجمهورية، وأيّ جمهورية؟
جمهورية لا وجود لها لا في السياسة ولا في الأمن ولا في الاقتصاد، جمهورية تكاد لا تحكم حتّى على قصر بعبدا، فالحاكم الحقيقي والقرار السياسي والأمني موجود في مكان آخر، وكلّ ما نراه في المواقع الرسمية هو مجرّد مسرحية يتناوب الممثّلون عليها، والمخرج الحقيقي والوحيد لها هو الذي يدير الأحداث في النهاية. أهذه هي الجمهورية التي يريد أن يرأسها مسيحي؟
تتسلّى بعض القوى المسيحية بالعودة تكراراً إلى نبش القبور والماضي، معتقدة أنّه السلاح الوحيد لتشويه صورة الخصم المسيحي.
إنّ هذا الأسلوب لم يعد ذا منفعة لأنّ من يعتمده فاق بضرر ممارساته وبتقييم كثيرين في لبنان ضرر كلّ ممارسات الحرب وآلامها، وأوصل البلاد إلى ما لم تصل إليه في أحلك أيامها، حتّى أنّ اللبنانيين ولا سيّما المسيحيين باتوا يترحّمون على أيام تلك الحرب.
ماذا ينفع أن نذكّر بعضنا البعض بكلّ المآسي والارتكابات السابقة؟ هل ستجعل المسيحيين وحدة متراصّة؟ هل ستجعلهم في مستقبل أفضل؟ هل ستساهم في أن يدركوا الأخطار الحقيقية التي تتهدّدهم ويقلعوا عن تغطية مشاريع غريبة عن وطنهم ومعتقداتهم وتفكيرهم؟ هل ستشجّع على التسامح والمحبّة والغفران؟ هل نريد للمسيحيين أن يبقوا في قوقعة جلد الذات؟
لن يخرج المسيحيون ممّا هم فيه إلا بأن يدركوا أولاً أنّهم في خطر داهم، وأنّ لبنان اللبناني هو في خطر داهم أيضاً، ومتى أدركوا ذلك يجب أن يعالجوا انقساماتهم القاتلة وليس تعدّد آرائهم، وأن يتوحّدوا بعدها حول هدف استراتيجي واحد، وهو قيام نظام جديد في لبنان يحفظ وجودهم وخصوصيتهم، وألا يخجلوا من طرحه مباشرة من دون مواربة أو مساحيق تجميل. فالهدف الأساس هو البقاء والوجود وليس العيش من خلال استجداء حماية من هنا ومن هناك.