هذا البلد يختلف اختلافاً كلياً عن بقية دول العالم. إذ ان التركيبة الطائفية الموجودة فيه فريدة من نوعها. وبالمناسبة فإنّ أكثر ما يقلق اسرائيل، هذا التعايش بين المسلمين والمسيحيين، خصوصاً ان اسرائيل تطالب بدولة يهودية فقط، خالية من أي مكوّن آخر.. وهذا ما يجعل لبنان بلد تحدّ لها لوجودها ولمجتمعها ويضعف مطالبتها بإقامة دولة يهودية من دون المسيحيين أو المسلمين الفلسطينيين.
بالعودة الى التركيبة اللبنانية، فإنّ هناك قواعد لهذه التركيبة تقتضي ما يلي:
أولاً: رئيس الجمهورية مسيحي ماروني.. هذا من حيث المبدأ، ولكن يتم انتخابه في المجلس النيابي من قِبَل المسلمين والمسيحيين، ولكن كي يستطيع أن يحكم وكي يكون رئيساً بكل ما في الكلمة من معنى، يجب أن يكون هناك اتفاق مسيحي مسيحي عليه، ومن دون ذلك لا يمكن له أن يصل الى الرئاسة… والأمثلة في هذا الموضوع كثيرة ولن أعود الى التاريخ البعيد بل أعود الى الرئيس ميشال سليمان الذي جاء نتيجة اتفاق دولي تم في الدوحة، وذلك بعد تعثّر المجلس النيابي في انتخاب رئيس لمدة تزيد على السنة.
والمثل الثاني: الرئيس السابق ميشال عون الذي ظلّ ينتظر سنتين ونصف السنة حتى حصل على موافقة من الشريك المسيحي القوي الذي هو د. سمير جعجع… ولولا «اتفاق معراب» لما وصل ميشال عون الى الرئاسة.
ثانياً: على صعيد رئاسة المجلس، يبدو ان هذا الموقع في الجمهورية اللبنانية مستقر نتيجة ان «حركة أمل» برئاسة الرئيس نبيه بري والذي يمثل تقريباً نصف النواب الشيعة على اتفاق تام مع «حزب الله»، وبما ان الحزب يمثل النصف الثاني تقريباً، يكون الرئيس نبيه بري قد حصل على إجماع نواب الشيعة وذلك منذ عام 1992 ولا يزال.
ثالثاً: ننتقل الى الموقع الثالث في الدولة اللبنانية، وأعني هنا رئيس الحكومة. هذا الموقع أيضاً ينطبق عليه ما ينطبق على موقع رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس، إذ يجب أن يكون هناك إجماع إسلامي على شخص الرئيس، وإلاّ فسيصبح رئيساً ضعيفاً ولا يستطيع أن يحكم… والأمثلة على هذه الحال متوفرة، نذكر منها: الرئيس أمين الحافظ الذي أسقطه اجتماع في دار الفتوى وتم إسقاطه هناك ضمن إجماع إسلامي على عملية الإسقاط.
اما الحالة الثانية فتتمثل بما جرى مع الرئيس حسان دياب، الذي اختاره الرئيس السابق ميشال عون كي يتحكم الأخير بالبلاد كما يريد. وهكذا كان الرئيس حسان دياب «صورة رئيس»، إذ لم يكن يستطيع أن يأخذ أي قرار، ويكفيه ان الصهر، أي صهر الرئيس السابق الفاشل هو المسؤول عن انهيار العملة اللبنانية أمام الدولار، عندما اتخذ قراراً بالتمنّع عن دفع «اليورو بوند» بالرغم من الشرح المستفيض من جميع أهل العلم وأهل الاقتصاد وأهل المال… حذّروه وبيّنوا له عواقب ذلك القرار، وبأنه سيعرّض الوضع اللبناني للخطر، لا بل للانهيار، وأنّ لبنان المالي سيصبح مكشوفاً ولن يكون للدولة قيام بعد هذا القرار، ولا يملك لأي دولة أن تتعامل مع لبنان أو تُقْرِضه دولاراً واحداً .
ولكن يبدو ان هناك مشروعاً للقضاء على البنوك اللبنانية، والهدف الحقيقي هو شراء هذه البنوك التي لديها 200 مليار دولار ودائع والتي تشبه البنوك السعودية، إذ ان البنوك السعودية تحتوي على ودائع بـ200 مليار دولار، وهذا يؤكد على ان موقع لبنان المالي كان مهماً جداً، والمؤامرة هي القضاء على هذا القطاع وإنشاء قطاع جديد أي خمسة بنوك برأسمال 5 مليارات من الدولارات… والخطة فشلت لأنّ حاكم مصرف لبنان الذي تسلم هذا القطاع عام 1993 وكانت مدخرات البنوك 4 مليارات كودائع وبحكمته وخططه وثقة العالم به استطاع أن يحقق الوصول الى 200 مليار، وهذا إنجاز تاريخي.
هنا أيضاً لا بد من الاعتراف، بالرغم من كل الحملة الظالمة على البنوك وأصحابها، أنهم استطاعوا إسقاط المؤامرة بتعاونهم واستجابتهم لقرارات الحاكم.