بعدما رحّبت بكركي بوحدة القوى المسيحيّة التي جعلتها تحصل على قانون استعادة الجنسيّة، فإنها تتساءل: لماذا لا تستمر هذه الوحدة من أجل التوصّل إلى انتخاب رئيس للجمهوريّة وعدم اللجوء إلى تعطيل جلسات انتخابه فيستمر الشغور الرئاسي إلى أجل غير معروف، وتكون لهذا الشغور انعكاسات سلبية على الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية، ما يجعل هذه القوى تتحمّل مسؤولية ذلك بسبب انقسامها وعدم اتفاقها على مرشح واحد للرئاسة، حتى إذا تعذّر ذلك تقرّر حضور جلسة الانتخاب لتقترع الأكثرية النيابية المطلوبة لمن تريد من بين المرشحين المعلنين وغير المعلنين لأن “الميثاق الوطني” يقوم على ثلاث ركائز: رئاسة الجمهورية للموارنة ورئاسة مجلس النواب للشيعة ورئاسة الحكومة للسنّة، وإن أي شغور يحصل في أي من هذه المناصب يشكل خللاً في هذا الميثاق. وما من مرة أصيب بخلل إلا عند انتخاب رئيس للجمهوريّة بحيث يستفيد أي خارج من خلاف القوى السياسية الأساسية في البلاد، ولا سيما منها المسيحيّة، ليفرض عليهم جميعاً الرئيس الذي يريد…
لذلك مطلوب من القوى المسيحيّة حرصاً منها على “الميثاق الوطني” ومصلحة الوطن والمواطن، الاتفاق على رئيس للجمهوريّة تحت أي مسمى، وفاقي، توافقي، تسوية، وإذا تعذّر ذلك الاتفاق على النزول إلى مجلس النواب لانتخاب الرئيس وفقاً للأصول الدستورية والديموقراطية، وليس الاستمرار بفعل استمرار الخلاف في التغيّب عن الجلسات لإفقاد نصابها وتعطيل الانتخاب.
لقد اقتنع الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بعد تعطيل انتخاب رئيس للجمهوريّة مدة 18 شهراً وما ألحق ذلك من ضرر للبلاد، ولا سيما في المجال الاقتصادي والمالي، بأن يكون رئيس الجمهورية مرشح تسوية وهو ما اقترحه الطرف الآخر في بداية أزمة الانتخابات، لكن “حزب الله” ومن معه رفض هذا الاقتراح وظل مصراً على ترشيح العماد ميشال عون ليظل هذا الترشيح سبباً لتعطيل انتخاب رئيس. فعلى القوى المسيحيّة ألا تجعل من اقتراح مرشح التسوية سبباً لخلاف في ما بينها على تسميته، فيستمر الشغور الرئاسي، بل أن تتفق في حال استمرار هذا الخلاف على حضور جلسة الانتخاب تأميناً لنصابها، ولتأخذ اللعبة الديموقراطية عندئذ مداها وتنتخب الأكثرية النيابية المطلوبة المرشح الذي يكون قد نال أصوات هذه الأكثرية.
وعلى القوى المسيحيّة أن تتفق أيضاً على أولويات الخروج من أزمة الانتخابات الرئاسية، فلا تقدم الاتفاق على قانون جديد للانتخابات وعدم ربط انتخاب الرئيس بالاتفاق على هذا القانون، بل يجب الفصل بينهما لأن لكل موضوع أسبابه الموجبة وحيثياته، فانتخاب الرئيس يجب بحسب الدستور أن يتقدم أي موضوع آخر، وبعد انتخابه يتم تشكيل حكومة تضع قانوناً جديداً للانتخابات ويكون للرئيس رأي فيه، لا أن يوضع أمام واقع قانون فرضته عليه تسويات ومحاصصات، خصوصاً أن أهمية هذا القانون لا تقل أهمية عن انتخاب رئيس للجمهوريّة، إذ به يعاد تكوين السلطة من القاعدة إلى القمة، ومطلوب من القوى المسيحية أن تتفق على هذا القانون ولا يظل الخلاف عليه سبباً للتمديد الدائم لمجلس النواب أو إجراء انتخابات على أساس قانون الستين.
الواقع أن أي قانون للانتخابات النيابية في ظل الخلل الديموغرافي واختلاط المذاهب في معظم الدوائر الانتخابية لن يحقق المناصفة الفعليّة بين المسيحيين والمسلمين كما يحققها مشروع “القانون الارثوذكسي” المرفوض لأنه يعزز الخطاب السياسي المذهبي ويصدّع الوحدة الوطنية ويمهد لقيام كانتونات لا تبني وطناً واحداً بل مجموعة أوطان لمجموعة شعوب.
ولكي تعوض القوى المسيحية أي نقص في قانون الانتخابات النيابية أو غبن في تحقيق المناصفة، فما عليها سوى إقامة تحالفات انتخابية حيث يمكن ذلك لتصب غالبية أصوات المسيحيين مع لوائح هذا التحالف على غرار ما فعله “الحلف الثلاثي” في الماضي، المؤلف من شمعون والجميل وإده. وقد اكتسح ذاك الحلف كل المقاعد النيابية في جبل لبنان ولم يسأل عن شكل أي قانون للانتخابات. وعندما تصب غالبية أصوات المسيحيين مع لوائح تحالف يضم القوى المسيحية الأساسية فإنها تعطل أصوات الأقلية التي تصبح وازنة عندما تتوزع أصوات الناخبين المسيحيين. فهل يقوم تحالف مسيحي يؤلف لوائح مشتركة في الدوائر ذات الغالبية المسيحية كما يفعل التحالف الشيعي في الدوائر ذات الغالبية الشيعية كي لا تبقى أصوات الأقلية الناخبة في بعض الدوائر أصواتاً وازنة تخل بالتمثيل الصحيح؟ وبقيام تحالفات انتخابية طوائفية في الدوائر ذات الغالبية المسيحية أو الغالبية المسلمة تتحقق المناصفة والتمثيل الصحيح لكل طائفة.