يمثل ترشيح حزب “القوات اللبنانية” لزعيم “التيار الوطني الحر” العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية انقلاباً كاملاً في المعادلات والتوازنات داخل المكوّن المسيحي كما اللبناني، وعودة الى روحية الاجتماع الذي انعقد في مكتب قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون في اليرزة العام 1988 وضمه جعجع، رداً على زيارة الرئيس أمين الجميّل للعاصمة السورية ولقائه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد.
مشاهد الانقلاب تشمل جوانب كثيرة، لكن الأكيد أن 14 اذار انتهت على المستوى التنظيمي المسيحي بعد خروج “القوات” من تحالفها مع “تيار المستقبل” وتحفظات الكتائب الكثيرة عن مسار تحالف 14 آذار ومواقفه. هذه النهاية لا تعني أن تحالف 8 اذار مسيحياً في حال أفضل بعد الشرخ او الجفاء بين “تيار المردة” و “التيار الوطني الحر” نتيجة التنافس بين زعيميهما على موقع رئاسة الجمهورية. والمسيحيون أمام الوقائع الجديدة هم عملانياً في حالة تحالفية جديدة تشبه “الجبهة اللبنانية” ولا تستنسخها، مع اختلاف المعادلات والعناوين وأبرزها وأكثرها وقعاً في نفوس الرأي العام المسيحي عبارتا “وحدة المسيحيين” و “استعادة الشراكة الحقيقية”. ويبدو ان كلاً من “القوات” و “التيار” قد تجاوز النظرية التي درج نوابهما ووزراؤهما على تكرارها والتحذير من عواقبها، ولا سيما منهم “القواتيون”، وفحواها: “ان وحدة المسيحيين تعني الحرب الأهلية”.
تشمل جوانب الانقلاب أولاً الوضع الانتخابي المسيحي في اي انتخابات مقبلة وخصوصاً البلدية في حال إجرائها، وصولاً الى الانتخابات النيابية التي تطاول مفاعيلها كل الأقضية حيث الحضور المسيحي الفاعل بدءاً من البترون والكورة وجبيل وكسروان الى زحلة وجزين، وفي دائرة بيروت الأولى ربما سيتعين على “القوات” البحث عن مرشح للمقعد الماروني فيها بعد تصريح النائب نديم الجميل الأخير بأن من يؤيد ترشيح فرنجية أو عون لرئاسة الجمهورية يجب ألا يستنكر اطلاق ميشال سماحة. والتحالف الانتخابي بين الفريقين يحسم الأمور في الكثير من الدوائر ويحرر ناخبي المجموعتين من تبعات التحالف مع القوى الأخرى، كما يشكل قوة جذب للمرشحين الأقوياء من غير المسيحيين وخصوصاً في دوائر مثل عكار والشوف وعاليه وصولاً الى زحلة وغيرها من المناطق. وسيتعين على المستقلين في أقضية الكورة والبترون مثلاً التفكير ملياً في خطواتهم الانتخابية واعادة تنظيم صفوفهم وتحالفاتهم في مواجهة “الثنائية المسيحية” والتي تشبه “الثنائية الشيعية” في كثير من جوانب تركيباتها الجامعة ما بين التنظيم القواتي والشعبية العونية.
وستفرض ترددات الانقلاب المسيحي على القوى الأخرى خارجه حسم خياراتها، وفي مقدمها الكتائب و “المردة” والمستقلون، إن بالانضمام الى الثنائية المارونية القوية، او الانتظام في جبهة مقابلة قادرة على التعامل مع التحديات المفروضة. وقول رئيس الكتائب النائب سامي الجميل أخيراً بأن المسيحيين ليسوا قطيع غنم يوحي أن الأمور ليست مريحة على ضفة المسيحيين الآخرين غير المنخرطين في “الثنائية”. وتفاهم الكتائب و”المردة” ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري والوزير بطرس حرب يبدو ضرورياً في الكورة والبترون، كما أن التفاهم بين الكتائب والمستقلين في زحلة يبدو أكثر من حاجة للجميع. والأمر نفسه ينطبق على دائرتي بيروت الأولى والثانية، والى درجة كبيرة على المتن حيث ستتركز الأنظار على موقف حزب “الطاشناق” والأرمن عموماً من هذا التفاهم، ومدى قدرة هذه الطائفة الوازنة في انتخابات المتن على الامساك بعصا التوازنات الدقيقة.
ليس معروفاً ما سيكون عليه موقف المملكة العربية السعودية من “التحالف الثنائي”، واذا صح ان السعوديين ارسلوا تحذيرات الى الدكتور جعجع من مغبة التحالف مع عون وتجاوز إطار “إعلان النيات”، فذلك يعني ان رئيس “القوات” قرر كسر الجرة مع المملكة والاستعاضة عنها بالفوز بتأييد جمهور المسيحيين وبتكريس قاعدة أن انتخاب رئيس مسيحي قوي مثل عون يعني ترشح الاقوياء دائماً للرئاسة. يبقى ان العارفين بأسلوب عمل جعجع ومسار أدائه يرون ان خطوته التالية ستكون في اتجاه أكثر خصومه السياسيين حساسية وإثارة للتوتر، في حارة حريك مثلاً.