يريدون صلب مسيحيي الشرق. يريدون قتلهم وتهجيرهم من الشرق. يريدون شرقا خاليا من المسيحيين. هؤلاء الشهداء الابرار الذين سقطوا ضحية الارهاب الذي استهدف كنيستين قبطيتين في مصر كانوا يستعدون للاحتفال بذكرى دخول المسيح الى القدس واستقباله بالزيتون انما يد الارهاب حولت احد الشعانين الى يوم دموي حزين.
انه الحقد الذي لا يعرف رادعا والكره الاعمى لاي وجود مسيحي في الشرق، فاضطهاد المسيحيين في مصر متكرر ومنذ وقت طويل .اما مسيحيو لبنان فواجهوا مخططا خبيثا وعنيفا كان هدفه وضعهم في البواخر وترحيلهم الى الخارج. ثم جاء دور مسيحيي العراق بعد ان غزته اميركا محولة اياه الى جحيم فأصبح المسيحيون هدفا للمجموعات الارهابية والاصولية فتهجروا هربا من العنف والقتل فيما بقيت نسبة قليلة منهم في بلاد ما بين النهرين. وفي سوريا، تعرض المسيحيون الاشوريون الى مذابح كثيرة على يد «داعش» دون ان يأتي احد لحمايتهم في حين حظيت اطراف سورية اخرى بحماية اميركية من بينها الاكراد. وفي فلسطين، امعن الاسرائيليون في صلب الفلسطينيين والمسيحيين مجددا وتدنيس القدس التي كانت مهد الديانة المسيحية وينبوع السلام والمحبة وتحويلها الى مدينة عنصرية تشهد يوميا اعمالا وحشية اجرامية على ايدي جنود اسرائيليين.
الشرق يخلو شيئا فشيئا من المسيحيين ومن اعرق سكانه ومن اقدم حضارته فهل نسامح المجرمين على أعمالهم الوحشية لانهم لا يدرون ما يفعلون؟ في الحقيقة، ان «داعش» وكل اخواتها والصهيونية العالمية على دراية بما يفعلون بحق المسيحيين وكل تفجير وكل تهجير وكل تغيير ديمغرافي مخطط له من قبل هؤلاء وعن سابق تصور وتصميم. فهل المسلمون الموالون لـ«داعش» والمسلمون غير المنخرطين بمجموعات متشددة بريئون من دماء المسيحيين الاقباط ومسيحيي العراق وسوريا وسابقا دماء المسيحيين في لبنان؟ هل اليهود الذين صلبوا المسيح وانكروا شهادة يسوع وتعاليمه ابرياء من المخطط الرامي الى افراغ الشرق من مسيحييه؟
المسلمون الداعشيون هم انصاف بشر، هم وحوش لا تشبع من دماء المسيحيين ومن دماء كل من يعارضهم ولذلك هم ارهابيون بعيدون كل البعد عن المبادئ الروحية والدينية في حين ان المسلمين غير المنتسبين لمنظمات سلفية متشددة ليسوا ارهابيين ولكنهم ليسوا ايضاء ابرياء بالكامل من دماء المسيحيين التي سفكت في مصر اخيرا وفي العراق وسوريا في الماضي القريب وفي لبنان سابقا. ذلك ان هؤلاء المسلمين لم يتخذوا موقفا حاسما تجاه المذابح التي جرت بحق المسيحيين في البلدان التي ذكرناها ولم يفرضوا تدابير واجراءات احتوائية لحماية مسيحييهم، أليس المسيحيون من نسيج المجتمعات العربية؟ أليست هذه الجرائم التي طالت مسيحيي مصر والعراق وسوريا نتيجة خطابات تحريضية من مسلمين يدعون الاعتدال؟
وفي تهجير المسيحيين من الشرق عبر شتى اساليب التعذيب والترهيب، لا يمكن اعفاء اليهود الصهاينة من الوقوف وراء ذلك، فهم المتهمون الرئيسيون بكل ما حصل للمسيحيين. حرب اليهود المستترة على المسيحيين اشد خطرا من اجرام «داعش» لان صراع اليهود مع المسيحيين هو صراع ايديولوجي كما هو صراع وجود اذ طالما المسيحيون موجودون في الشرق لن يسطع نجم اسرائيل. والحال ان المسيحيين يعكسون شخصية مميزة امام مجتمعاتهم الشرقية وينشرون حضارة سامية لهم اينما تواجدوا في الدول العربية وهذا ما تراه اسرائيل تهديدا حقيقيا لها فتسعى جاهدة الى طرد المسيحيين من هذا الشرق كي تهيمن على المنطقة برمتها.
من هنا، وبعد كل هذه المجازر التي ارتكبت بحق المسيحيين في مصر وسوريا والعراق بات على المسلمين من علماء وشيوخ ناشطين العمل على خلق بيئة حاضنة للمسيحيين لا التحريض عليهم واستنكار هذه الجرائم والانتقال من اطلاق الخطابات المؤىدة للمسيحيين الى الافعال التي تشمل اجراءات تحمي فعليا المسيحيين. فاذا استمر قتل المسيحيين واستفراد «الداعشيين» بهم دون قيام اي جبهة اسلامية تقف بوجه هذا التطرف يكون اضاع العرب والمسلمون المعتدلون البوصلة التي يجب ان تكون موجهة ضد الاحتلال الاسرائيلي وركبوا للاسف قطار الصهيونية التي تواصل استهدافها لمسيحيي الشرق.
في كلامنا تعويل كبير على المسلمين المعتدلين لحماية المسيحيين في البلد الواحد ليس من زاوية اتهامهم بهذه الجرائم الاخيرة وليس طبعا على كيفية ترويض «داعش» لانه كما يقول المثل «ولا على المريض – داعش حرج» بل من باب ان المسلمين المعتدلين هم الاولى بمحاربة التطرف في بيئتهم ورفض «داعش» والعمل على تقليص نفوذه ليس فقط بالسلاح بل بمحاربة فكره الحقود وايديولوجيته الرجعية بحملة توعية عند المسلمين. املنا يصب على قيام المسلمين المعتدلين بحملة مضادة على «داعش» تحجمه وتظهره على انه تنظيم يؤذي الاسلام والمسلمين قبل سواهم والاّ التفجيران الاخيران في طنطا وفي الاسكندرية لن يكونا الاخيرين.
في نهاية المطاف، لقد تحمل المسيحيون ما لم تتحمله اي جماعة دينية اخرى وظلوا صابرين على المهم ووجعهم ولكن الاستنكار لم يوقف المحرضين والخطابات الشعبوية لم تجنبهم ارهاب «داعش» وصلاة الفاتيكان لم تحافظ على وجودهم ولم تحمهم من القتل ولذلك بات المسيحيون وبالاخص الاقباط الذين ما زال جرحهم طريا يريدون افعالا وتدابير حقيقية تطمئنهم وتخفف من قلقهم وخوفهم المتزايد فهم شبعوا كلاما فارغا ولم تعد تنطلي عليهم الوعود الكاذبة.