عندما نصح المبعوث الاميركي ريتشارد مورفي عام 1988 بمعادلة: “إما مخايل ضاهر وإما الفوضى”، رد قادة موارنة عقب اجتماع في منزل الرئيس أمين الجميّل في بكفيا برفض نتائج محادثات مورفي في دمشق. لكن شخصاً واحداً عارض “الرفض المسيحي”، هو جوزف ابو خليل الذي اقترح على الحضور التريث ودرس امكان القبول بضاهر. بعد الاجتماع بأيام قليلة غادر الجميّل الى دمشق للقاء الرئيس حافظ الاسد وسط تشكيك في نجاح الاجتماع. وفور سفره بادر العماد عون الى الاتصال بسمير جعجع الذي صعد الى وزارة الدفاع وعقد لقاء معه هو الاول بينهما منذ القطيعة عام 1986، إثر اغتيال العقيد خليل كنعان.
طوت الايام تلك الاحداث التي تسببت بصراعات مدمرة وتغيير وجه لبنان وضرب الوجود المسيحي فيه، وها هو التاريخ يعيد نفسه لجهة اللقاء بين عون وجعجع، الخصمين اللدودين، اللذين كان من قدر لبنان ومسيحييه خصوصاً، أن يكون احدهما نداً للاخر في صراع لا ينتهي منذ نهاية الثمانينات، على كل التفاصيل، مع فارق انتقال مكان اللقاء من وزارة الدفاع الى الرابية، وغياب الراعي السوري ودوره الضابط للسياسة المحلية، وحلول مجموعة قوى اقليمية متنازعة الاهواء والرغبات والاهداف في مقاربتها لملف الرئاسة الاولى. والسؤال الاول الذي يطرحه متابعون للملف: ماذا يستطيع كل من الزعيمين أن يقدم الى الاخر؟ واستطراداً كيف يمكن التوفيق مثلاً، بين موقف العماد عون المتمسك بترشحه للرئاسة، والاسباب الموجبة التي يقدمها لتبرير موقفه، وطرح جعجع للمرشح التوافقي ورفضه وصول عون الى الرئاسة؟ وكيف يمكن التوفيق بين موقفي عون وجعجع من قانون الانتخاب المثير للجدل وجملة المشاريع المطروحة التي لا يتفق الحزبان على موقف واحد منها، ولو وسطياً؟
يقال إن الحوار في الرابية سيشهد سلة اغراءات لمقايضة ملف الرئاسة الاولى واسم شاغل قصر بعبدا بملف قانون الانتخاب، الذي توفر الصيغ المطروحة منه على النقاش، وخصوصاً المشروع الثلاثي النسبي المختلط لـ”القوات” و”المستقبل” والتقدمي، غالبية لهذا الحلف، وتكريس ثنائية مسيحية. لكن من الواضح استناداً الى استطلاعات الرأي أن وضع “التيار الوطني” الشعبي جيد، وليس في حاجة الى الخوض في بازار قانون الانتخاب والمقايضة على ترشح عون الذي يبدو واثقاً من قدرته على حصد أكبر كتلة نيابية مسيحية مرة جديدة، اياً يكن شكل قانون الانتخاب، ومن دون أن يكلف نفسه عناء اي تنازلات، والكلام للمتابعين لملف الحوار المنتظر. وهكذا يبدو أن المحصلة أو النتيجة الوحيدة للحوار بين عون وجعجع ستكون تكريس ثنائية الزعامة المسيحية، مع فارق بسيط عن عام 1988 هو عدم اكراه أي من السياسيين المسيحيين على مغادرة لبنان الى المنفى وتحت طائلة التهديد بالقتل.
ويبقى التساؤل في رأي المتابعين أيضاً، لماذا تقصد “حزب الله” الاعلان عن استمراره في ترشيح عون، ومن بكركي؟ وهل كان الامر لإيصال رسالة واضحة مفادها أن اتفاق حزبين مسيحيين لا يعني الاتيان برئيس للجمهورية، وان الحوار الحقيقي في مكان آخر؟