Site icon IMLebanon

الحوار المسيحي يسرق الوهج من بكركي

حالما ظهرت بوادر استعادة بكركي لدورها السياسي مجددا، أجهضها ميشال عون وسمير جعجع عبر خروجهما عن عباءة البطريرك، وترتيبهما حوارا ثنائيا بعيداً عن الصرح

تمكّن البطريرك بشارة الراعي، قبيل عيديّ الميلاد ورأس السنة، من اعادة الكرة الى ملعب بكركي اعلاميا وسياسيا. كان يمكن لمراقب حركة زوار الصرح أن يلاحظ عدد السياسيين والسفراء والموفدين الآتين للقاء سيد الصرح الذي رفع سقف تصريحاته الموجهة الى النواب، كما إلى الزعماء المسيحيين، للضغط باتجاه توفير النصاب في جلسات انتخاب رئيس للجمهورية. بدا أن بكركي تمكنت من استعادة دورها الرئيسي كجزء أساسي ومؤثر في مختلف الملفات المحلية بعد فترة من الركود عززتها رحلات الراعي الكثيرة الى الخارج.

يقول مقربون من الصرح إن «دور بكركي لم يكد يسطع مجددا كما في الفترة التي تلت انتخاب الراعي حتى أفل بعد أقل من ثلاثة أسابيع، عند شيوع خبر الحوار بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية». لا يتعلق الأمر هنا «بالحوار كحوار، بل بمفاجأة الزعيمين ميشال عون وسمير جعجع البطريرك، عبر اتفاقهما على التفاهم خارج أسوار بكركي ومن دون رعايتها أو حتى استشارتها وأخذ بركتها». هكذا، بحسب أحد المطارنة، سحب عون وجعجع البساط من تحت الراعي وأوصلا رسالة بطريقة غير مباشرة الى الراعي فحواها: «الأمر السياسي لنا». ما سبق، وفقا للمطران ولمقربين من بكركي، ليس وليد الصدفة، بل جرى بناء على أربعة أحداث ساهمت في ملء كوبَي العونيين والقواتيين حتى طفحا نهاية العام المنصرم:

أولاً، يحمّل البطريرك في مجالسه مسؤولية تراجع الوضع السياسي المسيحي وفقدان حقوق المسيحيي لعون وجعجع فقط، اذ يشير الى أن «جعجع شارك في معارك مسيحية ــــ مسيحية منذ أواخر السبعينيات، أودت بأعداد هائلة من الضحايا والقتلى وهجّرت الكثيرين»، كالهجوم على اهدن والهجوم على الأحرار في الصفرا، فضلا عن الانتفاضات الداخلية في قلب القوات اللبنانية. كما يحمّل الزعيمين على السواء مسؤولية حرب الالغاء، التي أدت إلى هجرة نصف مليون مسيحي، الأمر الذي أدى الى خلل في الوضع الديموغرافي في البلد منذ ذلك الحين.

ثانيا، لا يمكن للبطريرك، تضيف المصادر، الا تذكير زواره من المسوقين لعون أو لجعجع أو لأنفسهم بنداءات الزعيمين السياسية والكنسية في أوائل التسعينات التي منعت المسيحيين من المشاركة في الانتخابات النيابية، فأخرجت الطائفة من المعادلة الوطنية والحلقة السياسية الضيقة المؤثرة في مجرى الأحداث لسنوات عدة. وبفضل «جهودهما»، يقول الراعي بانفعال، «لم يبق موظف مسيحي آنذاك في الادارات العامة وامتنع أبناؤنا عن التطوع في الجيش ففقدنا امتيازاتنا عبر السنين. فكيف يمكن الوثوق اليوم باثنين ممن ربطا خروجهما من الحلبة السياسية بخروج كل المسيحيين من الدولة اللبنانية؟».

ثالثا، يقول أحد زوار بكركي الدائمين إن الراعي كثير التأثر بمحيطه، ويأخذ كلام غالبية محدّثيه في الاعتبار بما في ذلك طبعا حلفاء لعون وجعجع، الذين يشكون حصر الزعامة المسيحية برجلين، فضلا عن مجموعة المسترئسين المترددين على نحو شبه يومي الى الصرح، الذين لا يوفرون مناسبة لتقليل فرص «غريميهما» الا يغتنمونها ايمانا منهم بقدرة كل منهم على الوصول الى بعبدا، عندما يتنحى عون وجعجع.

كان يمكن عون، بخلاف جعجع، تجاوز المسائل الثلاث تلك برغم الغصّة الكبيرة التي أصابت الرابية لاصرار الراعي على استحضار الماضي في كل الملفات الآنية، وكان يمكنه غضّ الطرف عن الأحاديث اليومية التي تصله من هذا الزائر أو ذاك، لو لم يتناه الى مسمعه أخيرا نظرية كان من الصعب تجاوزها، ولا سيما أن الراعي بدأ يشيعها في غالبية مجالسه غير آبه بنوعية الزوار أكانوا مقربين أو سياسيين أو اعلاميين ومبعوثين وسفراء وغيرهم. وكان من الطبيعي، تالياً، أن ينقل أحد زوار الصرح المقربين نظرية الراعي المواجهة للشعار الذي ترفعه الرابية بضرورة وصول الأقوى مسيحياً الى الرئاسة أسوة برئاسة الحكومة ورئاسة مجلس النواب. ومفاد هذه النظرية أن «زعيم السنة ليس رئيس حكومة اليوم، بل هو وافق على تعيين أحد النواب المتحالفين معه في هذا المنصب، أي الرئيس تمام سلام. وزعيم الشيعة السيد حسن نصرالله ليس رئيس مجلس النواب، ولكنه متفاهم مع الرئيس نبيه بري الى أقصى الحدود ويزكّيه تلقائيا. ولذلك، لا جدوى من تكرار اللازمة نفسها بضرورة وصول الأقوى الى بعبدا، يمكن عون ببساطة تسمية أحد المرشحين والتفاهم معه». وينهي الراعي، وفقا للمصادر، كلامه بالقول: «ليس الخلاف المسيحي هو ما يمنع فعليا انتخاب رئيس، بل الخلاف الرئيسي هو صراع سني ـــ شيعي على الكرسي الماروني، لأن الزعيمين المسيحيين ليسا مسيحيين فعلا، بل أحدهما سنّي والثاني شيعي».

ازاء ذلك، لم يتردّد عون كثيرا في ترجمة غضبه بقبول دعوة القوات الى الحوار، ما دامت «المصيبة» نفسها تجمعهما. وقد ساهم عدم اشراك الزعيمين المسيحيين بكركي في الملف الأول مسيحيا، في اجهاض كل محاولات الراعي خلال الشهر المنصرم لاستعادة «الأمجاد السياسية».