طويلة وثقيلة مرّت ساعات يومي أمس وأمس الأوّل، حيث كان السباق على أشدّه بين إتصالات الحلول السياسيّة والتي لعب فيها رئيس الحكومة سعد الحريري دورًا حاسمًا، وإتصالات التحضير للتصعيد الميداني والتي حضّر خطواتها كل من «التيار الوطني الحُرّ» وحزب «القوات اللبنانيّة». وجرى التداول في أكثر من حلّ، بدءًا بإرجاء جلسة المجلس النيابي إلى موعد لاحق، مرورًا برفع بند التمديد الثالث للمجلس من جدول الأعمال، وُصولاً إلى خفض مدّة التمديد وربطه بإتفاق على خطوط عريضة لقانون إنتخابي جديد تبريرًا للتمديد، وغيرها من الإقتراحات. وترافق هذا الأمر مع شروع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في إستخدام الأوراق التي يملكها، بدءًا بتوجيه الكلام مباشرة إلى الشعب اللبناني وُصولاً إلى رفع ورقة المادة 59 من الدُستور، والتي تخوّله إرجاء إنعقاد مجلس النواب، ولوّ ضمن مهلة لا تتجاوز الشهر الواحد، ولمرّة واحدة فقط في كل عقد تشريعي. والأخطر من كل ما سبق أنّ الأزمة المُستجدّة هدّدت أسس تحالفات داخليّة أساسيّة، وأعادت إلى الأذهان أيضًا إنقسامات سابقة كانت تتجاوز الخلاف السياسي إلى البُعد الطائفي، وذلك في توقيت شاءه القدر أن يتزامن مع الذكرى الثانية والأربعين لإنطلاق الحرب اللبنانية في 13 نيسان 1975!
مصادر سياسيّة قريبة من «الثنائي المسيحي» أكّدت أنّ المُشكلة بلغت هذا المُستوى من التوتّر بسبب إصرار بعض الجهات السياسيّة الفاعلة على إستعجال مسألة التمديد للمجلس النيابي الحالي، وإتخاذها كل الخطوات التنفيذية لتحقيق ذلك خلال ساعات معدودة، علمًا أنّ الوقت لا يزال مُتاحًا لهكذا خطوة، باعتبار أنّ ولاية المجلس المُمدّدة أصلاً تنتهي في 20 حزيران، أي بعد أكثر من شهرين من اليوم. وسألت لماذا إستفزاز رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وما يُمثّله، بخطوة التمديد من دون ربطها بأيّ إتفاق على قانون جديد للإنتخابات النيابية، أو أقلّه على الخطوط العريضة لهذا القانون، خاصة وأنّ الجميع توافق في مجلس الوزراء على بحث كل القوانين المطروحة بشكل صريح وموسّع وبوتيرة سريعة جدًا، وقد بدأت اللجنة الوزاريّة المُكلّفة بحث قانون الإنتخاب أولى إجتماعاتها؟! وتابعت المصادر السياسيّة القريبة من «الثنائي المسيحي» كلامها بإبداء الإستغراب من الإصرار على تمديد ثالث للمجلس لمدّة عام كامل، بينما كانت كلّ التسريبات السابقة تتحدّث عن تمديد تقني لبضعة أشهر، في إشارة سلبيّة إلى رغبة سرّية في تمييع البحث في التوصّل إلى قانون جديد، وربما تحضيرًا لتمديد رابع مُستقبلاً لاستكمال ولاية ثالثة كاملة، في تكرار للسيناريو الذي إعتمد لإستكمال الولاية الثانية للمجلس الحالي، حيث جرى أوّلاً التمديد لسنة ونيّف ثم لكامل الولاية!
وأكّدت المصادر نفسها أنّ كلاً من «التيار الوطني الحُر» و«القوات اللبنانيّة» لن يقبلا بأن يتمّ إستخدام ضَغط المُهل الدستورية وفزّاعة الفراغ، للتهرّب من التوصّل إلى قانون إنتخابات جديدة، يُطبّق المُناصفة المسيحيّة الإسلاميّة فعلاً لا قولاً، ولا يُبقي أكثر من ثلثي النوّاب المسيحيّين رهينة جزئيًا أو كليًا، بيد ناخبين وقادة سياسيّين لا يُمثّلون الساحة المسيحيّة. وأضافت أنّ المسألة هي قضية حقوق ومساواة وعدالة، وليست مسألة تعصّب ديني بخلفيّات طائفيّة. وتوقّعت المصادر السياسيّة القريبة من «الثنائي المسيحي» أن يشتدّ «الكباش» في الأيّام والأسابيع المقبلة، أوّلاً لمنع التمديد عبر مختلف الأساليب القانونيّة المُتاحة»، وثانيًا لعدم السماح بتمرير أي قانون لا يكون مُنصفًا وعادلاً للناخب وللمرشّح المسيحي، بنفس قدر العدالة والإنصاف التي سيحظى بها الناخب والمرشّح المُسلم.
في المُقابل، برّرت مصادر سياسيّة قريبة من الجهات السياسيّة الفاعلة المؤيّدة للتمديد، وفي طليعتها رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، الخطوات السريعة التي جرى القيام بها للتمديد، بُوجود تخوّف من أن يلجأ رئيس الجمهوريّة إلى إستخدام السُلطات المَمنوحة له في الدُستور لعرقلة خطوة التمديد، بدءًا من ردّ القانون وهي خطوة تؤخّر القانون إلى المجلس لكنّها لا يُمكن أن توقفه، مُرورًا بتأجيل إنعقاد جلسة مجلس النواب كما تنصّ المادة 59 من الدُستور، وُصولاً إلى مُمارسة نفوذه وهيبته للتأثير على قرار المجلس الدستوري، بعد تقديم طعن أمامه يُشكّك بقانونيّة التمديد وبمُبرّراته، الأمر الذي يُمكن أن يدخل البلاد في فراغ خطير على مُستوى السلطة التشريعيّة، سينعكس تلقائيًا على مختلف المُستويات. ولفتت المصادر السياسيّة نفسها نقلاً عن المُؤيّدين للتمديد للمجلس، تأكيدهم أنّ الحديث عن عدم منح الفرصة لإيجاد قانون جديد غير صحيح، حيث جرى تبادل العديد من إقتراحات القوانين مع «التيار الوطني الحُرّ» الذي يقود المفاوضات عن «الثنائي المسيحي»، والذي يلعب دورًا محوريًا في التوصّل إلى قانون جديد. وأضافت أنّ رئيس «التيار» وزير الخارجية جبران باسيل رفض أكثر من مخرج، من بينها على سبيل المثال لا الحصر أحد الإقتراحات القاضية بأن يكون عدد النواب الذين يتأهلون في الإنتخابات على أساس القضاء ثلاثة مُصرّا على تأهّل إثنين فقط، بعكس ما يريد «الثنائي الشيعي» و«تيار المستقبل».
وقالت المصادر نفسها إنّ التأجيج الطائفي والتدابير السلبيّة في السياسة وعلى الأرض، لا يُساعدان في إيجاد الحلول، إنّما سيزيدان التعقيدات وسيحولان دون التوصّل إلى حلّ قريب لمُشكلة قانون الإنتخابات، خاصة في حال جرى التمسّك بصيغ إنتخابية بخلفيّات طائفيّة.
ولفتت المصادر عينها إلى أنّه ما لم يتمّ إيجاد أيّ مخرج للأزمة، فإنّ تمرير التمديد يحتاج فقط إلى وُصول ما لا يقلّ عن 65 نائبًا إلى المجلس النيابي، ليتمّ عندها عقد الجلسة من الناحية القانونيّة، في ظلّ مُحاولات حثيثة لإشراك أكبر عدد مُمكن من النوّاب المسيحيّين فيها، للردّ على إتهامات «الثنائي المسيحي» بأنّ أيّ جلسات في غياب الأحزاب المسيحيّة الرئيسة تفتقر إلى الميثاقيّة وغير دُستوريّة. وبمجرّد إكتمال النصاب، يُمكن التصويت على إقتراح القانون المعجّل للتمديد للمجلس، علمًا أنّه يكفي الحُصول على مُوافقة ثلثي عدد الحاضرين، ليُصبح هذا القانون نافذًا.
في الخلاصة، نبّهت مصادر سياسيّة مُطلعة أنّ تجاوز الخلافات الداخليّة الأبعاد السياسيّة، وبلوغها مرحلة التباعد الطائفي، بالتزامن مع النزول إلى الشارع، يُنذر بتداعيات كبيرة لا يُقدّر البعض مدى خطورتها على كامل حال الإستقرار الداخلي، الأمر الذي يَستوجب تدخلاً سريعًا ومُباشرًا على مُستوى قيادات الصفّ الأوّل، لتبريد الأجواء، حتى لا تتحوّل أحداث 13 نيسان 2017 إلى «كرة ثلج» مليئة بالمشاكل والإنقسامات السياسيّة والطائفيّة.