Site icon IMLebanon

مخاوف مسيحية من تسوية خارجية تعيد إنتاج محرمّات التسعينات!

 

حصة وازنة للحزب في الرئاسة والنظام ثمناً لتنازل في السلاح والدور الإقليمي

 

 

ضخّ تفعيل مجموعة الدول الخمس المعنية بالشأن اللبناني ديناميتها، بعضا من الروح في الاستحقاق الرئاسي، بعد ضمور امتدّ أشهرا عدة زادته حِدّة الحرب في غزة. وبات التعويل الوحيد على هذا الحراك الخارجي بعدما استسلم المسؤولون إلى عقمهم وعدم القدرة على المبادرة وابتكار الحلول الناجعة.

وليس أفظع من هذا العجز الرسمي والسياسي سوى ما حملته الجلسة التشريعية الأخيرة في مجلس النواب من امتهان لكرامة اللبنانيين وفقر نيابي وقلة مسؤولية.

 

واقع الحال أن الحراك الخارجي يرمي راهنا إلى تحقيق أمرين من غير أن يتّصلا ببعضهما البعض:

1-تطويق التصعيد الإسرائيلي جنوبا ومنع نشوء حرب على لبنان، ومن ثم تطويق التداعيات والمآسي، إلى حين تحقّق الظروف التي من شأنها تطبيق كل مندرجات القرار 1701 باعتباره الناظم الرئيس والوحيد للاستقرار عند الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، وتحقيق المطالب اللبنانية القائمة على تسوية الحدود البرية وانسحاب إسرائيل من النقاط الـ13 والأراضي التي تحتلها في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وخراج بلدة الماري.

2-الإسراع في انهاء الأزمة الرئاسية على قاعدة انتخاب الشخص الذي يحوز أكبر قدر من التوافق، مع ما يفترض أن يحمل من ميزات حسنة، بدءا وليس انتهاء بالنزاهة والنظافة والخلو من أي شكل من أشكال الفساد السياسي والمالي. وهذه المواصفات تكاد تكون المشترك الوحيد بين أعضاء المجموعة الخماسية، مع غياب التوافق على اسم الشخص المؤهل لتزكيته رئيسا.

 

وتعتبر هذه المجموعة أن تحقُّق الأمرين غير مترابط أو متّصل. بمعنى أن الجهد القائم على هذين المسارين لا ينبغي ان تقاربه المجموعات اللبنانية المعنية، في إشارة إلى حزب الله بالدرجة الأولى، باشتراطات تضع مسارا قبل آخر، أو تلزم المجموعة بالمسارين معاً.

وأمكن في الأيام الأخيرة تلمّس الضغط الأميركي والقطري والمصري على تل أبيب وحماس لانخراط جدي في ما من شأنه إنهاء الحرب وتفادي انزلاق المنطقة بأكملها إلى دمار أكيد.

بالتأكيد سيكون لهذا المسعى التسووي العربي – الدولي انعكاس بائن على لبنان وتأثير مباشر في الجهد القائم من أجل إنهاء الأزمة الرئاسية. هذا الواقع يدركه المسؤولون، وباتوا في مرحلة تلقّف نتائجه وتأثيراته. لكن يبقى الأشد ريبة المكوّن المسيحي الذي سبق أن ذاق مرارة التسويات مطلع التسعينات والتي أتت برمّتها خلاف مصالحه الحيوية الدولتية والمؤسسية، وأدت إلى إنتاج زعامات هجينة لم تستطع بالتأكيد ملء الفراغ الذي تركه التنكيل بالقوى المسيحية الممثلة التي تعكس حقيقة الوجدان المسيحي السياسي والاجتماعي، في طليعتها التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. مرد تلك الهواجس المسيحية 3 عناصر:

1-تحقّق ميني تسويات على مستوى المنطقة تدفع أثمانها، كعادة مآسي الشرق، الأقليات الدينية الهشّة سياسيا، على سبيل المثال في لبنان وما تبقّى منها في العراق سوريا وفلسطين.

2-تحقّق تسوية كبرى عربية – إقليمية، تنخرط فيها إسرائيل وإيران وتركيا، وهو الثلاثي الذي سبق لإدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما أن راهنت عليه لقيادة المنطقة، بتزكية من الثنائي جيمس بيكر ولي هاميلتون في تقريرهما الشهير قبل زهاء 18 عاما. لكن لهذه التسوية أثمانا تدفعها الدول الهشة وجماعاتها المشتتّة، ولبنان يقع في مقدّمة اللائحة.

3-فشل جهود التسوية انطلاقا من الحرب في غزة، مما يعني حكما إطلاق يد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في لبنان مثالا.عندها تتلاشى فرص الحلّ. ولا تُغفل حقيقة أن واشنطن المقيّدة بالسياق الانتخابي الرئاسي في تشرين الثاني المقبل لن تُبقي فرص الحل، سواء في غزة أو في لبنان، مفتوحة الى ما لا نهاية.

من الواضح راهنا ان الإدارة الأميركية عادت جزئيا إلى الاهتمام بلبنان من بوابة الاستقرار في الجنوب والحاجة إلى إكمال عقد المؤسسات بدءا من رئاسة الجمهورية كمعبر رئيس لأي تسوية مع إسرائيل. ويضطّلع المستشار الرئاسي آموس هوكستين بدور متقدّم مع تصوّر للحل الذي لم يقدّمه كاملا بعد إلى المسؤولين اللبنانيين.

ولا تخفى في هذا السياق مخاوف المسيحيين من تسوية على حسابهم، مع ما يطرح من أفكار تعطي حزب الله الحصة الوازنة رئاسيا إلى جانب تعديلات في تركيبة النظام تتوافق مع المطالب الشيعية، على أن تكون الثمن الشيعي لتنازل ما في مسألتيّ السلاح والدور الإقليمي.

ويزيد الحديث راهنا عن تباين أميركي بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية، حيال المهمّة المُحدّثة لهوكستين بوجهَيْها الحدودي والرئاسي. ويتردد أن التسوية الأميركية – الشيعية (الإيرانية) المقترحة أثارت حفيظة جهات رفيعة في واشنطن تلقّت رسائل احتجاج واستغراب ورفض من عواصم عربية معنية.