القوى المسيحيّة لم تفرض ذاتها منذ 2005 واحتسبتها رئاسيّاً ونيابيّاً وصمتت
تجاوز موقفها الرافض لردم «الرابع»
مُسلسل مُستمرّ كنتيجة لتخاذلها في الإدارات
يندرج ما تشكو منه القوى المسيحية سواء في رفضها وبكركي ردم الحوض الرابع لاعتبارات لها صلة بالحفاظ على حقوق ومصالح المسيحيين في ظل تركيبة البلاد المذهبية وفي ضوء الواقع الاقتصادي المزري ام من خلال شكوى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مما اصاب التوازن في مؤسسات وإدارات الدولة من خلل مذهبي اثر تقلص الحضور المسيحي، كنتيجة مرتقبة لتقاعس هذه القوى في ممارسة ما عليها من واجب ومسؤولية لإعادة المسيحيين الى الدولة بعد ان انعكست انكسارات هذا الفريق العسكرية والسياسية بالتتابع منذ العام 1990 استقالات من الدولة على اكثر من صعيد بينها الاداري والمحوري الذي غزته مقاطعتهم غير المدروسة للانتخابات النيابية في العام 1992.
وقد كان مرتقبا داخل البيئة المسيحية ان تستعيد هذه القوى رغم تباعدها السياسي عن بعضها وتوزعها على محوري 8 و14 اذار بعيد العام 2005 اي مع انتهاء الوصاية السورية على لبنان نوعا، من حضورها الفاعل الذي تميزت به في ظل النظام الأمني السابق مع ما واجهته من تحديات في تلك الحقبة وان تتمكن من طمأنة المسيحيين اثر عودة «القادة الموارنة» الى الساحة السياسية من خلال دفعهم المسيحيين في اتجاه العودة الى الدولة ومؤسساتها وفق منظور كل منهم اليها ورؤيته لها ولدور المسيحيين في تركيبتها ومفاصلها، لا سيما ان القوى المسيحية كافة سواء كانت التابعة للأقطاب الأربعة ام لقوى ما دونها نفوذا عرجت على الحكومة ووزاراتها منذ العام 2005 حتى يومنا هذا، ولكنها لم تتمكن من اعادة المسيحيين الى الدولة ودفعهم نحو اداراتها ومنها العسكرية والأمنية على سبيل المثال، بحيث انه بدلا من ان تركز توجيهاتها على تشجيع مناصريها للانخراط في هذه المؤسسات رغم المعوقات النفسية والديموغرافية غير المريحة حسب مرجع روحي رفيع، تندفع في لوائح مطالبها منذ العام 2005 للحصول على رخص للسلاح وللزجاج «الفومي» بدلا من تحفيز العناصر الشابة في أحزابها للانخراط في القوى العسكرية والأمنية.
وتتساوى المسؤوليات التقصيرية في هذا الحقل ورغم انها متفاوتة بعيدا عن الاحجام الوزارية التي شاركت مداورة في الحكومات وذلك لكون الاعمال في النوايا التي قد تترجم احيانا في المسؤوليات المتواضعة الحجم ان توفر القرار، لا سيما ان الظروف الامنية والخلافات الوزارية لم تعطل اندفاعة غير قوى في تعزيز حضورها الاداري في مقابل نومة «أهل المكلف» للقوى المسيحية التي بدت غير قادرة على حماية حقوق المسيحيين مع ممارستها الخجل في مطالبها امام القوى الاخرى الموزعة على كل من، المستقبل، أمل، حزب الله واللقاء الديموقراطي لاعتبار القادة الأربعة بان المطالبة الحقيقية والعملية بتوظيفات مقربين اليهم والاعتراض على انتزاع وظائف المسيحيين الدسمة معنويا والمؤثرة اداريا من شانه ان يضفي عليهم الصبغة المذهبية ويدفع قادة الأحزاب المحمدية لعدم دعمهم رئاسيا، اذا ما كانت اسهم احدهم مرتفعة ممارسين بذلك تقصيرا يقارب الذمية.
فإذا كان رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان تمكن في ست سنوات من ولايته كرئيس ماروني ان يفوز بتعيين الوزير «الملك» الأسبق عدنان السيد حسين مديرا للجامعة اللبنانية كهدية للمسيحيين والموارنة بنوع خاص اكراما لحزب الله، وكذلك حظي مقربون اليه بعدد من التوظيفات السياسية في الكازينو، فانه غض الطرف عن اتهامات طالت مدراء مسيحيين دون غيرهم على غرار فادي النمار وفادي عرموني قبل انجلاء الواقع القضائي لهؤلاء، الى حد ان وزيريه في الحكومة الحالية سمير مقبل واليس شبطيني يرفضان الانضمام الى القوى المسيحية في موقفها من رفض ردم الحوض الرابع.
وفي حين لم يسجل للأحزاب اي تعيينات فوق العادة تتجاوز تعيين عدد من الوزراء لفريق واسع من المستشارين دون ان يقابل في الوقت ذاته بالحفاظ على المواقع المسيحية المشمولة بالمناصفة عملا بوثيقة الوفاق الوطني التي اتفق عليها في مدينة إلطائف، وتحديدا في الحقيبة التي إسندت الى كل من هؤلاء في مقابل تدفق التوظيفات وبينها التي تحصل بالتراضي والمفترض ان تكون متوازنة لكون الوزراء في هكذا خطوة قادرين على اختيار الأشخاص بعيدا عما تفرضه نتائج الامتحانات للهيئات المعنية التي لا تتوقف امام مذهبية المرشحين للوظائف، الا انه في حال فرض الواقع الحاجة الى موظف مسيحي فانه لن يكون فاعلا، ليس فقط لان هذه القوى لا تجيد الاختيار لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب بل ايضا تأتي به ضعيف جدا ما يسهل تجاوزه على غرار ما يروى عن تركيبة المجلس الأعلى للجمارك بحيث ان العضو المسيحي الوحيد في تركيبته الثلاثية لا يمتلك هامش القرار الى جانب عضوين فاعلين مبررا شلله الإرادي بعدم توفر الغطاء المسيحي له مقارنة مع زميليه والمفترض ان تخرج قراراتهم بالإجماع حيال اي ملف ،لا بل ان العضو المسيحي صمت عندما تعرض ضابط مسيحي في الجمارك لاستهداف قضائي بعدما ضبط شحنة خليوي مهربة الى الداخل اللبناني عبر مطار رفيق الحريري الدولي.
وما يدفع للقلق في البيئة المسيحية ليس فقط تجاوز رغبة البطريرك الراعي لدى تسرعه برفضه اي حكومة لا تضم الوزير الأسبق زياد بارود بعد ان شكلت متجاوزة تمنياته التي لم تكن متساوية مع دور بكركي بما شجع على المضي في منطق عدم التجاوب مع مطالبه ،بل لانه واضح جدا للمتابعين للملف المسيحي الاداري بان القوى المسيحية ليس فقط لا تدفع بالمسيحيين نحو الوظائف في اكثر من رتبة ودرجة حتى المتواضعة من التي لا تتطلب معايير معقدة من التوازنات للتعيين من خلال منطق الحصص، بل انه منذ ان عقدت كافة القوى وكذلك المؤسسات المارونية وكذلك «لابورا» اجتماعا موسعا في بكركي بعيد انتخاب البطريرك الراعي، اذ منذ وضعت هذه القوى توصية الاجتماع بعد السرد المؤلم والخطير للتقرير الذي استعرض الواقع المسيحي المتقهقر في ادراجها وتقدمه الاحتدام فيما بينها على القانون الانتخابي الجديد والملف الرئاسي وتناسيهم هذا الملف الذي لم يسقطه أركان الطوائف والمذاهب الاخرى من حساباتهم مستفيدين من الصراع المسيحي بحيث عززوا تمددهم في مؤسسات الدولة التي تريد القوى المسيحية ان تبنيها من فوق وإذا ما انتخب احد القادة الأربعة رئيساً للجمهورية في مقابل استقالتهم من واجبهم الطبيعي الذي تفرضه معادلة التركيبة اللبنانية.
وقد شكل تضامن القوى المسيحية وتوحيد موقفها للحفاظ على محسوبين عليها في كازينو لبنان يحظون بمكاسب غير محقة ومشروعة على حساب موظفين مثابرين عن مدى اهتمام هذه القوى وسقف استراتيجيتها في مقابل ما يصيب المسيحيين اداريا، ديموغرافيا و«وظيفيا» بحيث اذا ما كان الامر على حساب ابعاد موظف او ملء مركز مسيحي في احدى الإدارات الرسمية ويجدونه لا يؤمن مكسبا «لآزلامهم» لا يبدون اهتماماً له على ما تبين من التعيين الاخير في وزارة الأشغال الذي اثارته محطة m t v في تقرير كشف خلاله رئيس جمعية لابورا الأب أنطوان خضرا عن تلكؤ كافة القوى المسيحية في الحكومة وغيابها عن دورها في حماية الوجود المسيحي في الدولة بعدما أعطى عينة عن واقع ليس بجديد ومرتقب ان يتكرر في ظل الخجل المكشوف للقوى المسيحية من التمسك بحقوقها في حين يجاهر أركان الطوائف الاخرى سياسيا وروحيا بحاجتهم للوجود المسيحي في الواقع اللبناني لما يعكسه من مشهد مشرق وتعايشي تجاه المجتمع الدولي.
وإذا كان عدد من القوى المسيحية جنى بيديه على الحضور المسيحي بموافقته على التفريط في حقوق المسيحيين فان اعلان منسق التيار الوطني الدكتور بيار افول يوم السبت الماضي ان ألحوار مع القوات يستند الى اربع نقاط تتوزع على الملف الأمني، ملف حماية المال العام، ملف الاتفاق على قانون انتخاب وملف رئاسة الجمهورية، اي ان الواقع الديموغرافي الاداري غير مدرج على جدول الحوار يعكس في حد ذاته الاستقالة من المسؤولية الطبيعية التي على القوى المسيحية تحملها ولإظهار ذاتها بانها ليست احزاب سلطة بقدر ما هي احزاب تعمل لحاضر ولمستقبل المسيحيين وذلك يكمن بوضع خارطة طريق لعودة المسيحيين الى ادارات الدولة لان هذا الامر يصحح الى حد ما تداعيات الاهمال المتعمد ام الخجل والخوف في هذا الحقل من القوى المؤثرة رئاسيا ونيابيا في الجناح الثاني للوطن لكون تجاوز موقفهم الموحد الرافض حتى حينه ردم الحوض الرابع أتى بعد ان سكتت هذه القوى عن انتزاع حقوق للمسيحيين في السابق، وبموافقتهم غير المعلنة ليتبين لهم الان ان سحب البساط من تحت ارجلهم بات سهلاً جدا وهم لن يواجهوه الا بمواقف إعلامية تعالج لاحقا وفقا لمقولة «لكل داء دواء»…