هل يكفي وصول الرئيس ميشال عون الى قصر بعبدا حتى تنتهي مرحلة الاحباط المسيحي؟ في اليوم الاول للعهد، الطريق طويلة والمحاذير كثيرة، والتجارب حتى الان لم تكن مشجعة
تحتاج الاجابة عن سؤال «هل انتهى الاحباط المسيحي بانتخاب العماد ميشال عون رئيسا؟» الى عقل بارد، والتعامل بهدوء مع انتخاب رئيس للجمهورية بعد عامين وخمسة اشهر على الشغور الرئاسي، وبعدما كاد مسيحيون كثر يرون ان الرئيس ميشال سليمان هو آخر الرؤساء الموارنة.
ليس عاديا ان ينتخب عون رئيسا، كشخص، وكمسار سياسي طويل، ولا سيما انه يطوي بانتخابه حقبة الشغور الرئاسي، ويعيد الى قصر بعبدا ما خسره المسيحيون، بصرف النظر عن المشاعر المتناقضة حياله بين الفرحين بانتخابه والناقمين عليه.
لكن بعد انتهاء الاحتفالات، يفترض قراءة مفاعيل الانتخاب السياسية على الساحة المسيحية، مع الخشية التي يبديها احد السياسيين من ان «ينتهي العهد الرئاسي، بمجرد انتهاء الحرب الطويلة التي خيضت للوصول اليه، فلا يبقى له ما يناضل لاجله». فهل ما قام به تحالف القوات ــ التيار الوطني الحر وتتويج عون رئيسا، كافيان كي يقال ان الاحباط المسيحي انتهى؟
اولا، ان عبارة الاحباط المسيحي انطلقت اساسا من مسببين: حرب الالغاء وحرب التحرير. والرئيس عون واحد من القادة المسيحيين الذين كانوا جزءا من المشهد السياسي والعسكري، الذي انطلقت منه عوامل الاحباط المسيحي، قبل الطائف وبعده. قبل ان يتحول نفيه وسجن رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع وادارة النظام السوري والترويكا، اسبابا اضافية لهذا الاحباط، زادت من حدتها المقاطعة المسيحية للانتخابات النيابية عام 1992 وصولا حتى عام 2005 وما بعده. والاسباب الكثيرة التي جعلت الاحباط المسيحي متفاقما ناتجة ايضا من القيادات المسيحية نفسها، كما من القيادات السنية والشيعية والدرزية، وان بمسؤوليات متفاوتة، ولم يظهر منذ عام 2005 ان ما حققته هذه القيادات كان كفيلا بضخ الروح في المسيحيين.
ثانياً، ليست المرة الاولى التي يعيش فيها المسيحيون فرحة الانتصار بحدث استثنائي يخرجهم من حالة الاحباط، فيعولون عليه، لكنه ما يكاد ينتهي مفعوله حتى يعودوا الى حالة الاحباط ذاتها، حتى انهم حولوا خلال سنوات قليلة، لعبة كرة السلة وفوز فريق الحكمة تعبيرا عن «النصر المسيحي». فهل ينسى المسيحيون ماذا فعلوا ايام انعقاد السينودوس من اجل لبنان وزيارة البابا يوحنا بولس الثاني، وكيف راهنوا على هذا التحول الاستثنائي وكيف انتهى مفعول الحدث بمجرد مغادرة البابا لبنان؟ حتى في السنوات الاخيرة، صورت القيادات المسيحية ما فعلته في الدوحة بإعادة العمل بقانون الستين على انه انتصار، وبانها استرجعت الحق الذي سلبه السوريون وشركاؤهم في الحكم، لكن نكسة «الستين» اعادت المسيحيين مجددا الى الاحباط، فطالبوا مجددا بالغاء القانون المذكور وبعودة الشراكة الحقيقية. فكيف يمكن اليوم الكلام عن انتخابات نيابية في ظل هذا القانون وفق تسوية عون والحريري، فيما تغنى الطرفان المسيحيان اللذان ساهما في إيصال عون بأنهما لن يعودا اليه مهما كانت التحديات والظروف.
الحريري يريد حصة مسيحية وزارية، فعن أي تمثيل سيدافع عون وجعجع؟
ثالثاً، خاض المسيحيون ــــ بتفاوت ــــ معركة المشاركة في الحكومة واستعادة الحقائب الوزارية السيادية، لكن التجربة دلت على ان الاحباطات المسيحية المتتالية من المشاركة في الحكومة، والاداء الحكومي واداء القوى المسيحية نفسها كانت اشد ايلاما من السنوات السابقة. مع الفارق هذه المرة ان لا حجج مقنعة قادرة على ان تغطي هذا الاداء الذي اصاب المسيحيين بالاحباط، قبل ان تبادر قيادات هذه القوى المسيحية نفسها الى الشكوى من الوضع الحكومي. فلا وزارات الخارجية والتربية والسياحة، وقبلها العدل والاقتصاد والاتصالات والطاقة، اخرجت المسيحيين من احباطهم. ولا يمكن التعويل منذ اليوم على صحة اختيار الاشخاص المناسبين في المكان المناسب، ولا في ابعاد الوراثة السياسية عن المواقع الاساسية، ولا على امكان ان تنجح القوات اللبنانية التي تطالب بست حقائب وزارية من بينها وزارة سيادية في مساعيها. والادهى ان الرئيس سعد الحريري قالها صراحة في مقابلته التلفزيونية الاخيرة انه سيكون له حصة في التمثيل المسيحي لان تياره عابر للطوائف. فعن اي تمثيل مسيحي يمكن ان يدافع عون وجعجع؟ وهل ما قاله الحريري جزء من التسوية الرئاسية؟
بين اليوميات التي يعول عليها البعض، والدور المرسوم لموقع الرئاسة الاولى، ثمة اضاءة مختلفة. اذ لم يكن لهذا الانتخاب ان يبصر النور لولا تسوية اقليمية ودولية، توافرت لها واجهة محلية لانجاحها. هذا يعني، بحسب سياسي مطلع (حكما ليس عونيا)، ان ثمة ظروفا «جيدة» يمكن التعويل عليها من اجل انطلاقة قوية للعهد، بصرف النظر عن الملفات اليومية. فوصول عون الى هذا المنصب، يجب ان يستثمر من خلال تأكيد دور المسيحيين في هذه المنطقة التي تغلي حاليا بمشاريع متعددة ترتسم في الافق لتحدد مصيرها. والرئيس الماروني الآتي بعد سنتين ونصف سنة من الفراغ الرئاسي، بموافقة اميركية وفرنسية وروسية وايرانية وسعودية وسورية، يفترض به التقاط الفرصة السانحة، لاستعادة لبنان لدوره الحقيقي في المنطقة، وتظهير هذا النموذج، الذي مهما قيل عنه، ومهما تعرض لخضات قوية، لا يزال قابلا كي يكون مثالا لنماذج تحتذى في دول المنطقة. قد يكون دور الرئيس الماروني، في هذه المرحلة الدقيقة، اكبر من مجرد ترؤس جلسات مجلس الوزراء، والحصول على حصة وزارية وكتلة نيابية ومدير عام من هنا او هناك. وهذا الدور، يمكن ان يعكس تمايزا «مسيحيا» محليا، فيضيف بعضا من «البهارات» على الحياة السياسية واطلالة لبنان دوليا واقليميا، والا فسيكون نسخة عن عهود الرؤساء ميشال سليمان واميل لحود والياس الهراوي.
بين الفرحة العارمة، والاحباط المتجدد لدى فئة من المسيحيين ممن يعارضون عون، تحديات تتعدى بنود التسوية الرئاسية، وفيها الكثير من اليوميات ومن الدور المسيحي في المنطقة، يؤمل تخطيها بنجاح، كي لا يتمدد الاحباط الى الذين يفرحون اليوم، فحينها سيكون «البكاء وصريف الأسنان».