Site icon IMLebanon

تظلُّم مسيحي وتسابق شيعي – سنّي

حسنا فعل “سيِّدنا” البطريرك الماروني مار بشارة الراعي بإلغائه الاجتماع الذي كان دعا إلى عقده للنظر في تقلّص الوجود الوظيفي المسيحي في الإدارات والمؤسسات العامة، وخصوصاً بعدما لاحظ المعترضون على ذلك إشارات جدية حديثة إلى تعمّد التقلّص من الشركاء المسلمين في الوطن. والسبب أن ما تمرّ به البلاد، وفي ظل ما تعيشه المنطقة من صراعات سياسية وحروب أهلية هي في جزء منها حروب بالواسطة وأحياناً مباشرة تقوم بها دول كبرى عالمية ودول كبرى إقليمية، يجب أن يفرض على المرجعيات الدينية والسياسية والحزبية اللبنانية النظر إلى الصورة الكبيرة من أجل استمرار النجاح في إبعاد البلاد عن الحروب المتنوّعة المجاورة، وفي انتظار التسويات لها سياسية كانت أو عسكرية. وكذلك من أجل الإفادة من ذلك لإعادة بناء الدولة والمؤسسات والنظام سواء بتصحيح ما طبّق من اتفاق الطائف وباستكمال تطبيقه أو بإعادة النظر فيه، أو بالبحث عن بديل منه بإجماع “الشعوب” اللبنانية التي يسميها الكثيرون “مكوّنات” شعب لبنان.

إلا أن تهدئة الجدل حول هذا الموضوع بعد وقت قصير من إثارته تلافياً لتحوّله حرباً كلامية سياسية بين أطراف مسيحيين وطرف أساسي في الثنائية الشيعية، وأيضاً تلافياً لاستعادة “الحرب” الأهلية وإن كلامياً هذه المرة بين المسلمين والمسيحيين مع استمرار الصراع الخارجي المسلّح، لا تمنع البحث الهادئ في هذا الموضوع وإن بشيء من الإيجاز. أولاً من أجل تبريد العقول المسيحية الحامية، وثانياً من أجل الحدّ بعض الشيء من الشهية المسلمة شيعية كانت أو سنّية، وثالثاً من أجل لفت المواطنين على اختلاف أديانهم والمذاهب إلى أن المصالح الشخصية والفئوية لزعاماتهم هي التي تسبب الخلاف الناشئ والخلافات الأخرى، لا مصالحهم ومصالح الدولة والوطن.

انطلاقاً من ذلك أذكِّر المسيحيين والمسلمين بالآتي:

1 – كرّس “اتفاق الطائف” المناصفة في وظائف الفئة الأولى في الادارات والمؤسسات العامة، لكنه فتح الأدنى مرتبة على تنوّعها وكثرتها لأبناء كل الطوائف في حال استيفائهم الشروط المحددة رسمياً لاستحقاقها.

2 – دلّ الجدل الأخير حول ضعف الوجود المسيحي في الإدارات والمؤسسات العامة على أن “اتفاق الطائف” لم يُحترم ومن زمان إلا قليلاً في البداية. إذ عادت المناصفة في الوظائف كلها إليها رسمياً لكنها لم تحترم مئة في المئة. وأحياناً كان احترامها يتم على حساب الكفاءة ولحساب الولاء، وذلك بخفض معدّل النجاح من أجل إدخال الراسبين في الامتحانات إلى الوظيفة تلافياً لضعف وجود مكوّن أو أكثر في الإدارة أو لاغضاب زعيم.

3 – استنكف المسيحيون بعد هزيمتهم العسكرية على أيدي المسلمين اللبنانيين وشركائهم “العرب” عن العمل في أسلاك الدولة العسكرية والأمنية والإدارية. وبما أن الفراغ يستحيل أن يستمر فإن الآخرين ملأوه. وشاهد اللبنانيون تنافساً سنياً وشيعياً على ملء الفراغ المسيحي. وفي مرحلة لاحقة عندما تعادل الدوران السياسيان للسنة والشيعة بفعل سوريا و”حزب الله” و”أمل”، والرئيس الشهيد رفيق الحريري والمملكة العربية السعودية وقوى دولية وإقليمية عدة، تقاسمت الطائفتان الإدارات وملأتا الفراغات وتعاملتا مع المسيحيين فيها على أنهم تابعون لهما، وصاروا عملياً درجة ثانية تماماً، مثلماً صار معظم سياسييهم درجة ثانية في ظل أولوية إما سنّية أو شيعية، وفقدوا كثيراً من فاعليتهم. أما الدروز فكانوا “يدبّرون حالهم” كما يُقال.

استناداً إلى ذلك أعتقد أن استعادة المسيحيين حقوقهم وفاعليتهم في الوظائف الرسمية كما في السياسة الرسمية وغير الرسمية لن يتحقق بانقسامهم بين الشيعة والسنّة. بل بعودتهم إلى الدولة وظيفياً، وبعودتهم مع المسلمين إلى “اتفاق الطائف” الذي فتح باباً أمام إلغاء الطائفية مع ضمانات مهمة لكل طوائف لبنان. وإذا لم يفعلوا ذلك فإن دورهم سيزداد ضعفاً. والدليل على الأثر السلبي لتوغلّهم في الطائفية، مع المسلمين طبعاً، هو ما يحصل منذ نيّف وسبعة أشهر مع جهاز أمن الدولة الذي أنشئ أساساً ليكون للشيعة جهاز أمني. وعندما أخذ الموارنة مخابرات الجيش والشيعة الأمن العام والسنّة شعبة المعلومات وحوّلوها عملياً جهازاً مهماً، لم تعد هناك حاجة إليه إلا للتوظيف النفعي. وهو قد يتعرّض للحل عندما يحصل “توافق” طائفي – مذهبي، على ما قال رئيس الحكومة تمّام سلام لأحد مراجعيه في شأنه.