يُطرح الدور المسيحي على بساط البحث بعد كل الأحداث الأخيرة. ولا يمكن لوم المكوّن المسيحي، فطريقة التصرّف معه بهذا الشكل تعود إلى عدم إحترام «الثنائي الشيعي» لإرادة المسيحيين ومحاولة فرضه رئيس تيّار «المردة» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، وتصرّف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وكأنّ البلاد تسير بلا رئيس جمهورية.
يستقوي ميقاتي بعضلات «الثنائي الشيعي». وهذا الإستقواء يخلق ردود فعل مسيحية شاملة لا تقف عند حدود حزب أو تيّار، فبالنسبة إلى «القوات اللبنانية» تُعتبر مسألة الشراكة والوجود المسيحي في الدولة أساسية وتوازي الملفات السيادية، إذ لا يمكن القبول بتحوّل المسيحيين «أهل ذمّة» أو أتباع بلا قرار.
وتفصل «القوات» بين نظرتها الإستراتيجية لملف الشراكة وبين الصراع على السلطة، وتعتبر أن لا أجندات خاصة وإذا كان أي طرف مسيحي يطرح الشراكة من باب الحصّة واقتسام السلطة، إلا أن «القوات» تعتبر هذه الشراكة مقدّسة وعودتها تكون بانتخاب رئيس يرضى عنه المكوّن المسيحي ويكون سيادياً وإصلاحياً في نفس الوقت، ويُعيد إنتاج حكومة متوازنة لتبدأ بعدها رحلة إعادة سيادة الدولة وبسط نفوذها والشروع بعملية الإصلاح.
وتراقب بكركي الوضع من كثب، وتتمسّك بالشعارات المبدئية، ولا يُنكر أحد حال الغضب التي وصل إليها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي جرّاء كل ما يحصل، وتُفنّد مصادر بكركي أسباب الغضب، والتي تبدأ بعدم القدرة على إنتخاب رئيس للجمهورية. وظهر الراعي غاضباً أمام سفراء اللجنة الخُماسية، إذ قال كلاماً «واقفاً» مستمدّاً من الدستور. ويعتبر البطريرك عدم وجود أيّ مؤشر داخلي أو خارجي على قرب الإنتخاب سيؤدّي حكماً إلى مزيد من تفكّك البلد وضرب المؤسسات.
أمّا الأمر الثاني الذي يُغضب البطريرك فهو تفرّد «حزب الله» بقرار الحرب والسلم، فلا يستطيع فريق لبناني جرّ البلد إلى حرب لا دخل له فيها من دون إحترام وجود دولة سيّدة ومستقلّة.
وانطلاقاً من هذا كلّه، تؤكّد بكركي على رفض ضرب مبدأ الشراكة، فالشراكة المسيحية – الإسلامية مبتورة بسبب غياب رئيس الجمهورية وشغور المناصب المسيحية الأساسية وعلى رأسها حاكمية مصرف لبنان والأرقام الصادمة للغياب المسيحي عن الإدارات، ومن جهة ثانية هناك نقص بالشراكة في قرار السلم والحرب، فالبطريركية تريد شراكة كاملة المواصفات، وأي خلل في الشراكتين يعني ضرباً للبلد.
إذاً، قالت بكركي كلمتها وهي رفض الإستمرار بتغييب رئيس الجمهورية ووقف الإمعان باحتكار قرار السلم والحرب. وإذا كانت «القوات اللبنانية» و»الكتائب اللبنانية» والمعارضة المسيحية تقف في صفّ بكركي، إلّا أنّ «التيّار الوطنيّ الحرّ» يرفع السقف في ما خصّ الشراكة المسيحية – الإسلامية، ويبقى خطابه دون المطلوب في الموضوع السيادي، وإن كان يوجّه بعض الإنتقادات لـ»حزب الله» جرّاء فتحه جبهة الجنوب.
يتقدّم ملف التقارب المسيحي على طاولة بكركي، لكنّه يبقى تقارباً ظرفياً ولم يتحوّل إلى لقاء على طريقة «الجبهة اللبنانية» لأنّ المعارضة المسيحية تضع تمسّك «التيار الوطني الحرّ» بالشرعية ورفض سلاح «حزب الله» كشرط أساسي لأيّ اتفاق.
ويحاول «التيار» الإلتفاف على هذا الشرط أو أقلّه عدم قطعه لـ»شعرة معاوية» مع «حزب الله» ومحاولة التوفيق بين إرضاء المعارضة وعدم كسره الجرّة نهائياً مع «الحزب». ويظهر هذا الأمر عبر اعتماده خطاباً ينتقد تصرفات «حزب الله» في الجنوب ورفضه توريط لبنان بحرب قد تدمّره، ومن جهة ثانية المطالبة بإقرار الإستراتيجية الدفاعية وتمسّكه بالمقاومة. ويحتل هذا البند قائمة النقاشات في اجتماعات بكركي.
تواصل بكركي إتصالاتها من أجل الوصول إلى أرضية مشتركة تجمع المسيحيين، ويتقدّم التواصل، لكنه لم يصل بعد إلى نقطة الإتفاق على العناوين الكبرى، وبالتالي يحتاج المسيحيون إلى مزيد من التواصل في ما بينهم، وقد تُظهر الأسابيع المقبلة كيف ستتّجه الأمور.