بينما كان تكتل “لبنان القوي” يعقد اجتماعه الدوري عبر تقنية “الزوم”، كانت الأخبار عن وضع الطرقات ترد تباعاً إلى هواتف المجتمعين، وتفيد عن قطع الطرقات بالدواليب المشتعلة، الواحد تلو الآخر، احتجاجاً على الأوضاع المعيشية بعدما تخطى سعر صرف الدولار العشرة آلاف ليرة على نحو يشي بأنّ الانفجار الاجتماعي بات على قاب قوسين… فيما كان نواب “التكتل” يراجعون في ما بينهم مواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي الأخيرة.
عملياً، لم يكن مشهد الطرقات الملتهبة في العديد من المناطق اللبنانية مفاجئاً، لا بل هو متوقع حدوثه في أي لحظة بعدما تجاوزت الأوضاع الاجتماعية خطوطاً حمراء يستحيل على الطبقات المتوسطة أو الفقيرة تحمّل تبعاتها أو التعايش معها. الانفجار، هو تحصيل حاصل، لا بدّ من حصوله في أي لحظة، طالما أنّ حكومة تصريف الأعمال عاجزة عن القيام بأي معالجات جذرية، فيما المشاورات الحكومية تواجه حائط الخلافات بين الرئاستين الأولى والثالثة، والتي لا تزال عصية على الحل أو تدوير الزوايا. ومع أنّ استسلام الناس للغة الاعتراض والتعبير عن غضبهم حتى لو استعانوا بالشغب، هو أضعف الايمان، في وقت ضرب فيه سعر الدولار رقماً قياسياً في ارتفاعه، إلّا أنّه بالنسبة الى بعض النواب العونيين، فإنّ تزامن التحركات في العديد من المناطق اللبنانية، له مؤشراته السياسية. صحيح أنّ الوضع يدفع الناس للجوء إلى الشارع، لكنّ لبعض التحركات، وفق هؤلاء النواب، معنى سياسياً. يقول هؤلاء إنّ تيار المستقبل لديه مصلحة في الاستعانة بنبض الشارع للضغط على رئيس الجمهورية وفرض تشكيلة حكومية تناسب أجندة رئيس الحكومة المكلف. كما أنّ الأحزاب المسيحية تسعى إلى صبّ الزيت على نار الاعتراض الشعبي لدفع الأمور إلى مزيد من الفوضى كي تكون الانتخابات النيابية المبكرة، هي الحلّ المنتظر.
وفق نواب عونيين، فإنّ تحرّك بعض المجموعات ضمن توقيت واحد، يشي بأنّ هناك خطة معدة سلفاً لتفجير الشارع في لحظة انقسام سياسي، تتجاوز عناوينه، مسألة الحكومة، لتطال حياد لبنان وتدويل الأزمة، بدليل التجييش الذي عملت عليه هذه الأحزاب لتكبير حجم التظاهرة المؤيدة لمواقف البطريركية المارونية.
ومع ذلك، يقول هؤلاء إنّ “تكتل لبنان القوي” لم يدقق في مواقف البطريرك الراعي بمنظار سلبي، لا بل العكس تماماً. بالنسبة للنواب العونيين، فإنّ ما أدلى به رأس الكنيسة المارونية هو بمثابة تكامل مع ما ينادي به العهد و”التيار الوطني الحر” ويساعدهما في مشروع المطالبة بالاستراتيجية الدفاعية، ويساعدهما على خوض غمار هذا المسار تحت عنوان أنه مطلب الشارع المسيحي ولا بدّ من وضعه على طاولة النقاش الجدي. ولهذا يؤكدون أنّهم ليسوا في وارد تسجيل أي اعتراض على ما أدلى به الراعي، لا بل سيسعون إلى الاستعانة بهذا الخطاب لرفع وتيرة الضغط من باب المطالبة بتسريع الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية.
ولكن، النظرة إلى ما حصل في بكركي يوم السبت، لا تنفصل برأي مسؤولين عونيين عما شهده الشارع يوم الثلثاء الماضي، ولا حتى عن الحملة التي قادها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لدفع رئيس الجمهورية للاستقالة، مشيرين إلى أنّ تخطي سعر الصرف العشرة آلاف ليرة قد يشعل النار من تحت الرماد، ولكن في حال كان حجم القفزة ألفاً أو ألفين، وليس مئة ليرة، “وكأنّنا في ماراتون، وفجأة أعلنت النتائج وحصل ما حصل!”.
بالنسبة لهم، إنّ الرصد الميداني لبقعة زيت الاعتراض، يؤكد أنّ تلك الحركة الاحتجاجية كانت منظّمة، وهادفة، لا سيما من جهة الأحزاب المسيحية المعارضة التي تحاول استعراض عضلاتها في الشارع واستثمار هذا الأمر في صندوق البريد الدولي، في موازاة سعيها لتشويه صورة “التيار الوطني الحر” وضربه أمام الرأي العام المسيحي واستخدام كل الأدوات المتاحة، في الوقت الضائع، بما فيها الترهيب. وكل ذلك تحضيراً للانتخابات النيابية المقبلة، أو الفوضى في حال تحللت مؤسسات الدولة أكثر!
ويشير هؤلاء إلى ان عنوان المرحلة المقبلة سيكون “من سيحكم الساحة المسيحية”، ولذا من المتوقع أن تستمر تلك التحركات في الشارع وإن كان “التيار” في صدد رصد مشهدية ليل الثلثاء الملتهب ومدى حجمها وامتداداتها، قبل أن يقول كلمته.