تشهد المنطقة ولبنان حراكاً سياسياً داخلياً وإقليمياً وعربياً وسط انسداد الأفق، مع استمرار رفض الكتل المسيحية للحوار والنقاش، رغم تكليف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، راعي أبرشية انطلياس أنطوان أبو نجم القيام بجولة على القيادات المسيحية لغربلة لائحة أسماء من المرشّحين للرئاسة والاتفاق على أحدها. غير أنّ الثقة لا تزال مفقودة، على ما يبدو، بين الكتل المسيحية، وبينها وبين الكتل الأخرى التي يتألّف منها مجلس النوّاب. لهذا لم يتمّ حتى الآن الاتفاق على أي صيغة تدفع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي للدعوة الى الجلسة الـ 12 لانتخاب الرئيس، التي باتت أكثر من ملحّة في ظلّ الشغور الرئاسي واستمرار الانهيار الاقتصادي والمالي بشكل غير مسبوق. فهل من تبدّل في المواقف أخيراً، وهل سيؤدّي الحراك الديبلوماسي والسياسي الى انتخاب رئيس الجمهورية في حزيران المقبل؟
تقول مصادر سياسية مطّلعة انّ الحراك الديبلوماسي الداخلي والخارجي يبحث في ملفات المنطقة ومن ضمنها الملف اللبناني، لا سيما الاستحقاق الرئاسي وما يليه من استحقاقات في سلّة متكاملة. غير أنّ الخارج لا يزال ينتظر أن يخرج شيئاً ما من الحَراك الداخلي يمكن أن يُبنى عليه لرسم خارطة طريق المرحلة المقبلة. وأتت جولة السفير السعودي وليد البخاري على المسؤولين اللبنانيين لتصبّ في هذا الإطار، لا سيما بعد “اتفاق بكين”، وقد غادر ليلاً الى الرياض لجوجلة المواقف. فيما جاءت زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو غيط الأخيرة الى لبنان، لتُؤكّد المؤكّد إذ أعلن أنّه “سيكون هناك رئيس جمهورية والمسألة مسألة وقت، ويجب الإسراع في هذه الخطوة لأنّ الأمور خطرة”، لافتاً الى أنّ “مفاعيل القمة السعودية- الإيرانية- الصينية على سائر الملفات المطروحة في المنطقة غير واضحة بعد”.
وترى المصادر نفسها بأنّ هذا الحراك الديبلوماسي يدلّ على الإهتمام بالملف الرئاسي في لبنان، وإلّا لما اجتمعت الدول الخمس في باريس وقامت بالتنسيق مع إيران من دون حضورها. ولهذا يجري تفعيل هذا الحَراك، وستظهر نتائجه خلال الأسابيع المقبلة، ما قد يؤشّر الى انتخاب الرئيس خلال أشهر. وكشفت المصادر أنّ “اتفاق بكين” قد يُدخل الصين في مرحلة أولى الى اللقاء الخماسي فيُصبح سداسيّاً، هذا إذا لم تعترض الولايات المتحدة الأميركية على ذلك. ولكن على المسؤولين في الداخل في هذه الأثناء إراحة دول الخارج، سيما أنّه لدينا كفاءات مارونية كثيرة يمكن الإتفاق على أحدها لإيصاله الى قصر بعبدا.
فلا شيء يمنع الكتل المسيحية من الاتفاق على اسم وسطي لا يشكّل استفزازاً لأي فريق، على ما أوضحت المصادر، ويكون قادراً على إدارة البلاد مع رئيس الحكومة والحكومة الجديدة في المرحلة المقبلة، مستبعدة بقاء المواقف على حالها، لا سيما مع التسوية الإقليمية التي تأخذ طريقها الى التطبيق. فالوزير فرنجية أرجأ إطلالته التلفزيونية الأحد الفائت وإعلان ترشحه من خلالها، لمصلحة عقده مؤتمراً صحافياً هذا الأسبوع والذي قد يؤجّل موعده أيضاً… فيما يواصل رئيس “التيّار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل اجتماعاته ومشاوراته للخروج بإسم ينتخبه تكتل “لبنان القوي” في مجلس النوّاب، مبدياً انفتاحه على الحوار. وكان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في كلام أخير له، قد ذكر بأنّه “اجتماعه بباسيل دام حتى الثانية بعد منتصف الليل، وأنّ للبحث صلة”، الأمر الذي دلّ على استمرار الاتصالات بين الطرفين، للتوصّل الى اسم يرضيهما معاً.
كذلك فإنّ “القوّات اللبنانية” لا تزال مقتنعة بأنّ فريق “الثنائي الشيعي” غير قادر حتى الآن على تأمين 65 صوتاً لفرنجية لكي يسعى لتأمين النصاب القانوني للدورة الثانية، على ما تقول أوساطها، وأنّ رئيس “حركة الاستقلال” النائب ميشال معوّض لا يزال مرشحها حتى الساعة، وقد خاض الجلسات الـ 11 الماضية لانتخاب الرئيس. وإذ لم يتمكّن معوّض من الحصول على أكثر من 44 صوتاً خلالها، تتوقّع المصادر عدم تجاوز فرنحية الـ 55 صوتاً، ما يُبقي الشغور الرئاسي على حاله. وربما لهذا السبب أرجأ فرنجية الإعلان الرسمي عن ترشّحه لرئاسة الجمهورية قبل أن يتمّ التوافق المسيحي إمّا على انتخابه، أو على إيصاله الى القصر الرئاسي.
غير أنّ المعارضة إذا تمكّنت من الاتفاق على اسم آخر غير معوّض، على ما نقلت المصادر عن مقرّبين من “القوّات”، فلا مانع لديها من التخلّي عن انتخابه، والانضمام اليها في التصويت في حال اقتنعت بهذا الاسم. وتجد المصادر أنّ الاتجاه الى انتخاب قائد الجيش جوزف عون يحتاج الى تعديل دستوري، ولهذا يبدو، بحسب رأيها، أنّه من الصعب أن يتمّ التوافق على اسمه من قبل المعارضة حالياً. كذلك فإنّ مواقف رئيس “القوّات” الاخيرة تشير الى انفتاحه على الحوار انطلاقاً من رفضه للإكمال في النموذج السابق. كما أنّ رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط شدّد في كلامه الأخير على أنّه “لا نستطيع انتخاب رئيس تحدٍّ لا من هذا الفريق ولا من ذاك الفريق”. وقال: “نريد رئيساً توافقياً من أجل الإصلاح. كفانا تحديات وإملاءات”، مشيراً الى أنّه “على الجميع التحاور”. وهذه المواقف جميعها تصبّ في إطار التغيير، وفي الموافقة على بدء الحوار بين جميع المكوّنات السياسية، وعلى إمكان التوافق على اسم وسطي، لا يكون محسوباً لا على هذا الفريق ولا على ذاك.
في المقابل، يعتبر “الثنائي الشيعي”، على ما عقّبت المصادر عينها، أنّ معوّض ليس المرشّح الجدّي لفريق المعارضة، فيما أعلن هو عن تبنّي ترشيح فرنجية، ولهذا ينتظر أن يتمّ الإعلان عن اسم هذا المرشّح. وإذا دعا برّي الى الجلسة الـ 12 المرتقبة لانتخاب الرئيس، التي لن يحصل فيها بعد الآن التصويت بـ “ورقة بيضاء”، سيظهر إذا كان فريق الثنائي قادراً على تأمين 65 صوتاً لفرنجية في الدورة الأولى أم لا، على ما يشكّك البعض.