القيادات المسيحية نسفت تفاهماتها الماضية .. التوجّه لصياغة مواقف تتلاءم مع شارعها
تمر الساحة المسيحية منذ 17 تشرين بأسوأ السيناريوهات فهي لا تزال منذ انفجار 4 آب الذي اصاب منطقة مسيحية بنكبة كاملة تحت تأثير الصدمة التي أربكت القيادات السياسية جميعها، لكن وقعها كان كبيرا على الساحة المسيحية حيث بلغ التأزم المسيحي حده الأقصى وخلق هوة بين الشارع والقيادات وبين القيادات السياسية مع بعضها.
وإذا كان وضع بعض القوى المسيحية حرجا أكثر من غيرها خصوصا العهد وفريقه الرئاسي الذي يتم تحميله كل الأزمات، فان وضع القيادات الأخرى تأثر ايضا بالأحداث والمتغيرات، وعليه، تقول مصادر سياسية، ان القيادات على ضوء الانهيار وما يتهدد لبنان في صدد دراسة واقعها وصياغة مواقف جديدة ومختلفة عن المرحلة السابقة ربطا بالوضع المسيحي السوداوي خوفا من فقدان السيطرة على غضب الشارع خصوصا ان قيادات الصف الأول تتحسب للانتخابات الرئاسية بعد سنتين، وان وضع المرشحين للرئاسة يتأرجح بين الجيد والحسن ومن لم يعد مقبولا، فهناك من يقول ان النائب جبران باسيل لم يعد وضعه هو ذاته الذي كان قبل ان تطاله العقوبات .
عمليا بدأت القيادات محاولات لترميم شعبيتها المتهاوية ولاستقطاب الشارع المسيحي الذي فقد الثقة بها قبل استحقاق 2022، ما يحصل من مناورات سياسية اليوم ومواقف متشنجة يصب في اطار الاستثمار في الأزمة وتصحيح الوضع المسيحي ، حيث ترى قوى معينة ان تراجع التيار الوطني الحر يضاعف من حظوظهم، وقد بدأت فعلا المبارزة تحتدم قبل الدخول في العد العكسي لمعركة الرئاسة.
تتأرجح التقديرات القائلة بان وضع التيار الوطني الحر تراجع كثيرا عن السابق ومن يعتبر ان الأحداث التي حصلت على الساحة المسيحية اضافة الى العقوبات أكسبته عطفا مسيحيا كبيرا، فيما يضع آخرون الوضع في خانة التأثيرات السلبية المربكة له داخليا في موضوع تأليف الحكومة والاستحقاقات المقبلة.
ويقول المتابعون ان شعبية باسيل تأثرت بعد «ثورة 17 تشرين الأول» واختلفت وضعيته عما كانت عليه، فهو كان سابقا يختصر المشهد السياسي بحركته الصاخبة ويتصدر قائمة المرشحين الأقوياء كونه يملك المواصفات المطلوبة للمرشح الرئاسي فهو رئيس للحزب المسيحي القوي وشارك في الحكومات الماضية كما انه رئيس لتكتل نيابي يضم ثلاثين نائبا في البرلمان وكانت له الكلمة الأولى في التفاصيل الداخلية من تعيينات قضائية وسياسية وامنية.
فيما يرى فريق آخر ان تبدل الأحداث أعاد باسيل الى المربع الأول لما كان عليه قبل ان يصبح رئيسا لتكتل لبنان القوي، ولم يعد يصب في مصلحة معاركه المقبلة بعد تردي علاقته بحلفائه السابقين وسقوط التسوية مع الرئيس سعد الحريري وبعد ان نسف تحالفات سياسية واسعة وتفاهمات، فاهتزت علاقته برئيس حزب القوات سمير جعجع وخاصم وليد جنبلاط في اكثر من محطة ولم يصالح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
بمتابعة ورصد الحركة السياسية للقيادات المارونية فهي جميعها تتجه الى الجمهور المسيحي وتقوم بمواجهة بعضها، فرئيس حزب القوات قطع كل علاقته بالعهد ورئيس التيار الوطني الحر فيما العلاقة بين المردة والقوات تشهد توترا كلاميا في الفترة الأخيرة بعد تصعيد الوزير السابق سليمان فرنجية في اطلالته التلفزيونية ضد رئيس حزب القوات وتغريدة النائب طوني فرنجية في اتجاه معراب.
في الشق الآخر هناك تسابق واضح نحو الشارع المسيحي فالنائب جبران باسيل يحاكي الوجدان المسيحي بشعارات عدم التفريط بالصلاحيات والتخلي عن الحقائب تفاديا للسقوط في الهاوية. فيما جعجع ليس بعيدا عما يجري حيث يحاكي الهواجس نفسها بعد ان جهز نفسه من اجل دور محوري بعد انتقاله الى ملعب المعارضة وينطلق ايضا من رصيد شعبي وارقام في استحقاق 2018 رفعته الى مرتبة الاقوياء مسيحيا كما يتكل جعجع ايضا على معادلة وظروف مختلفة عن العام 2016 حالت دون وصوله الى قصر بعبدا وتراجع شعبية التيار لدى المسيحيين.
أما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي ضاعت منه الفرصة الرئاسية عندما انتقلت الرئاسة قبل أربع سنوات الى العماد ميشال عون فلا يبدو متأثرا بالعقوبات التي طالت وزيره السابق يوسف فنيانوس وهو يحاول التموضع بعيدا عن الجبهات الداخلية المفتوحة.
قائد الجيش العماد جوزف عون يزج اسمه في المعركة الرئاسية ويسلط الضوء عليه كاحد الاسماء المطروحة للرئاسة الاولى كونه قائدا للجيش وقد شهدت مرحلة ما بعد الطائف انتقال قائدين للجيش الى بعبدا.
على الرغم من كل مأساوية الوضع الراهن فان تسجيل الاهداف مسلسل تصفية الحساب بين القوى المسيحي مستمر، هناك من يقف محايدا من السياسيين الموارنة وهناك من سيعيد تحالفاته وتموضعاته بعد ظهور الخريطة السياسية على أبواب تسلم الإدارة الأميركية الجديدة.