Site icon IMLebanon

النضوج المسيحي

النضوج المسيحي الذي ترجم بالتوافق بين الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون عكس ارتياحا كبيراً وعميقاً عند المسيحيين كما انه ازعج واغضب فرقاء سياسيين رأوا في هذا التوافق تهديداً لهم ولمصالحهم. المسيحيون تعلموا من اخطاء الماضي ففضلوا الاتحاد بدلا من الانقسام ونبذوا حروب الالغاء فبات الماضي عبراً لهم يستذكرونها لعدم تكرار الاخطاء نفسها. شجاعة الدكتور جعجع جعلته يرشح العماد عون للرئاسة ليس فقط لقطع الطريق على التسويات التي طرحت دون الاخذ في الاعتبار توجهات القوات اللبنانية وشجونها بل لتعزيز الصف المسيحي والموقع المسيحي فيصبح الزعيم المسيحي يستمد قوته من قاعدته الشعبية ومن حلفائه السنة او الشيعة. نعم، ترشيح جعجع لعون يؤكد للصديق وللعدو ان رئىس الجمهورية يأتي برضى ماروني اولا ثم ينال رضى الطوائف الاخرى، فلا الرئىس سعد الحريري يختار الرئىس الماروني ولا النائب وليد جنبلاط بالتنسيق مع دولة الرئىس نبيه بري والرئيس سعد الحريري له كامل الصلاحيات في انتقاء رئيس الجمهورية وفرضه لاحقاً على الاحزاب المسيحية.

الواقع المسيحي تغيّر الآن ومن الآن وصاعداً لم يعد الاخرون ينظّرون على المسيحيين ويفرضون عليهم ما يحلو لهم. هذه المصالحة المسيحية اعطت زخماً واملاً في نفوس المسيحيين الذين كانوا يعانون التشرذم والدور السياسي الضعيف مقارنة بالطوائف الاخرى، بيد ان المسيحيين اضحى لهم قيادة مسيحية موحدة وقوية قادرة ان تطيح بتسويات لا تريدها وقادرة على تحديد مواصفات الرئيس الذي تريده.

وقد يقول قائل ان الاف القتلى سقطوا في حرب عون ـ جعجع في التسعينات ما ادى الى اضعاف المسيحيين وتكبدهم خسائر وهزائم كبيرة انما لا يمكن الوقوف عند هذه الحقبة واعتبارها غير قابلة للتغيير وان ما حصل لا يمكن ان يشفيه الزمن. والحال ان حزب الله وحركة امل خاضا معارك شرسة اوقعت في صفوف الاثنين عدداً كبيراً من القتلى والجرحى لكنها فيما بعد توصلا الى مصالحة لوقف سفك الدماء بين ابناء الحسن والحسين وتحالفا لاحقاً ليصبحا في خط سياسي واحد. فلماذا كل هذه الانتقادات الموجهة للمصالحة التاريخية بين عون وجعجع؟ الزعيمان توصلا الى اتفاق وتعاون وعملا جاهدين على تقريب وجهات النظر دون الغاء الآخر كما عملا على تهيئة اتباعهما لنبذ الحقد ودفنه وترك الماضي خلفهما. كل هذه الاجواء توجت بترشيح جعجع لعون لتكتمل المصالحة المسيحية التي فاجأت افرقاء سياسيين كثراً.

توضحت الصورة. القليل من الافرقاء السياسيين اللبنانيين يريدون ان يتحد المسيحيون. قليلون يريدون ان يسترجع المسيحي قوته ونفوذه. قليلون يريدون ان يصل رئىس ماروني قوي الى الرئاسة. قليلون يريدون قائداً مارونياً قوياً للجيش اللبناني. قليلون يريدون ان يستعيد المسيحيون عموماً والموارنة خصوصاً عزمهم.

كانوا يضحكون في انفسهم يوم تشتت المسيحيون.

كانوا يشمتون في قرارة نفوسهم بالواقع المسيحي المرير.

كانوا يفرحون ويهللون للخلافات السياسية التي كانت تحصل بين الاحزاب المسيحية.

لكن الواقع تغير الان. وهذا التغيير لم يرق للزعيم وليد جنبلاط الذي حذّر من التوافق المسيحي والماروني تحديداً وكأن المصالحة المسيحية هي مصيبة او شر عظيم او مأساة على الوطن. بيد ان حقد وليد جنبلاط على الموارنة هو ابا عن جد. فهو لم يرث من الراحل كمال جنبلاط سوى «مشكلته مع الموارنة». فكم من مرة وصف وليد جنبلاط الموارنة بالجنس العاطل، فيما الموارنة هم اساس هذا البلد وهم المقاومون الحقيقيون لكل الغزاة الذين اتوا على لبنان. لولا صمود الموارنة وكفاحهم بوجه العثمانيين لكان وليد جنبلاط يقرأ الصحف اللبنانية باللغة التركية لان الموارنة، وحدهم قاتلوا بشجاعة العثماني المحتل ووقفوا له بالمرصاد.

لم يكتف وليد جنبلاط بالمجازر التي قام بها بحق المسيحيين فهو يواصل حملاته الحاقدة والغريبة على الموارنة فالى اين يريد ان يصل بكل هذه الانتقادات والتحذير من الموارنة الابرار؟

شيء واحد ايجابي في تصريحات وليد بيك وهي انه يقول ما يجول في خاطره وهذا لا يعني انه الزعيم الوحيد المتضرر من الوفاق المسيحي بل هناك احزاب ومسؤولون وزعماء يكنون البغض والكره للمسيحيين، ولكن لا يعلنون عن نواياهم الحقيقة تجاه المسيحيين، مفضلين اعتماد سياسات تخريبية باطنية تؤذي المسيحيين اكثر.

في نهاية المطاف، الجميع احرار بتصريحاتهم وبأعمالهم وليرموا سهامهم على المسيحيين وليحقدوا ويحذروا وينددوا، لكن قطار الوفاق المسيحي انطلق فما باليد حيلة لايقافه.