على خط بعبدا – بيت الوسط الطريق سالكة بصعوبة. بالاتجاهين لا عامل ثقة ولا رؤية موحدة للحكومة. وبلغة المنجمين، طريق الرئيس المكلف سعد الحريري باتجاه السراي مسدود حتى الساعة. في إطار التحضير لإعادة تسميته رئيساً للحكومة وفي سياق محادثاته مع المكونات السياسية، أغدق الحريري وعوده بالحقائب على القوى السياسية حتى وصل به الامر بأن يمنح الحقيبة ذاتها لأكثر من فريق. وعندما دقت ساعة الحقيقة تبين ان حكومة الـ 18 التي يريد لا تكفي وعليه تشكيل حكومة بحجم حكومتين ايفاء بالتزاماته. هذا الانطباع خرج به المحيطون بالحريري قبل غيرهم.
وعلى خط بعبدا – بيت الوسط ينشط رئيس الحكومة المكلف في سبيل اقناع رئيس الجمهورية بحصة مسيحية يكون هو عراب تسمية الوزراء فيها! تقول المعلومات ان الحريري حمل الى بعبدا لائحة بأسماء مسيحية لحقائب يفترض انها ضمن حصة رئيس الجمهورية. وما ان يطلب عون حقيبة وزارية حتى يسارع الحريري الى اقتراح اسم وزيرها ليتبين ان الرئيس المكلف حضّر مسبقاً عدداً من اسماء الشخصيات المسيحية يريد تزكيتها لمناصب وزاريةK وان البحث بالحكومة لم يتجاوز مسألة التمثيل المسيحي بعد. المتفق عليه مع “الثنائي الشيعي” ان الحريري وحين يتفق مع عون يباشر في المشاورات معه حول الحقائب الوزارية والاسماء، ولذا هو لم يجتمع بالخليلين بعد ولم يتحادث معهما لا بشأن الحقائب ولا الاسماء. اما مع رئيس الحزب “الاشتراكي” وليد جنبلاط فالقصة يعتريها التعقيد. هنا ايضاً وعد الحريري حتى عجز عن الوفاء بالتزامه ما اغضب الزعيم الدرزي، خصوصاً عندما بلغه قول الحريري انه لم يلتزم معه بشكل نهائي. وفي سبيل مراضاته لم يتردد الحريري في عرض حقيبة الخارجية على جنبلاط.
يسلم الحريري بالحصة الشيعية وبأن الثنائي يسمي الوزراء بعد موافقتهم على الحقائب، ويترك للاشتراكي حرية تسمية ممثليه في حصته الدرزية، ويمنح نفسه حصرية تسمية الوزراء السنة واختيار حقائبهم ويرفض منح سني ضمن حصة رئيس الجمهورية، وحين يصل الامر الى الحصة المسيحية التي تبلغ 9 وزراء في حكومة من 18 وزيراً يكون اقتراحه ان يتم تمثيل كل من وعده بالتوزير من ضمن هذه الحصة. ومن هذه الحصة سيتمثل “القومي” و”المردة” و”تيار المستقبل” وما تبقى سيكون من حصة عون يشارك الحريري في تسميتهم. وهو ما تسبب باستياء مسيحي لم تكن بكركي بعيدة عنه. واعتبرت اوساط مسيحية معنية بالملف الحكومي ان الحريري يمارس الحصريات مع القوى السياسية المسلمة ويدخل كشريك في الحصة المسيحية. سلوك تراه المصادر المسيحية “أقرب ما يكون الى سلوك رستم غزالة من دون رستم نفسه”.
وفي ظل مثل هذا التصور للحكومة يصعب على الرئيس المكلف تقديم تشكيلته والا احرج نفسه مسيحياً. هذه المرة لن يكون مجدياً ان يدافع عن خطوة كهذه سيدفع ثمنها في مجلس النواب عند نيل حكومته الثقة. لا يمكن للحريري ان يقنع الآخرين ان منح “القومي” حقيبة من ضمن الحصة المسيحية يعني تمثيلاً مسيحياً، لان المعروف ان القومي لا يمثل مسيحياً وهو لا يطرح نفسه حزباً طائفياً من الاساس، كما لا يمكن له ان يكتفي بتحالفه مع “المردة” الذي يقل رئيسه في الكلام هذه الايام. ينام سليمان فرنجية على حرير تسميته للحريري حالماً برئاسة جمهورية لا يراها بعيدة لا سيما في ضوء زيارة ديفيد شينكر، ويفضل النأي بنفسه عن المساجلة حتى ولو انه يرى ان مثل هذا التعاطي فيه شيء من اللامنطق على المستوى المسيحي. وهل يساجل وقد وعد بحقيبتين احداهما سيادية. وهنا مطب آخر أوقع الحريري نفسه فيه.
على المقلب الآخر هناك موضوع حلفاء “حزب الله” ممن كان “الحزب” عراب خوض معارك تمثيلهم في المرات السابقة. لأسباب كثيرة لن يفعلها “حزب الله” هذه المرة، ولو لم يعلنها ويتجنب الخوض بالموضوع برمته، لكن هناك فئة تشعر ان استمرار تمثيلها في اي حكومة واجب على “حزب الله”. لا يريد هؤلاء ان يبذلوا اي جهد رغم الفرص التي اعطيت لهم ولم يثبتوا جدارتهم خلالها. هو المشهد ذاته الذي يتكرر عند عتبة كل حكومة فيصار الى المطالبة بالتمثيل الوزاري وفي وزارات سيادية احياناً. في الاساس اتضح ان كل مكون من هؤلاء يغني على ليلاه. من “المردة” الى “القومي” و”اللقاء التشاوري” والحزب “الديموقراطي”، والذي ذهب بعيداً في التصويب على الحريري حتى غدا الامر محرجاً لحلفائه واولهم رئيس الجمهورية الذي كان يتمسك بتمثيله.
مقصد القول ان المقاربات للموضوع الحكومي لا تظهر جدية وحرصاً في التعاطي من قبل الجميع. اللامنطق هو السائد سواء من قبل الرئيس المكلف او من الآخرين. لا يمكن لرئيس ان يمنح لنفسه ما يحجبه عن الآخرين، يسلم بأحقية فريق في الاختيار والتسمية ويحجب هذا الحق عن آخرين، وايضاً على حلفاء “حزب الله” ان يتواضعوا، وان يساهموا في فعل ما لا يجعل حيثيتهم قائمة فقط على كونهم حلفاء “حزب الله”، خصوصاً وان هؤلاء سبق وتمثلوا في وزارات خرجوا منها كما دخلوا… بشهادة حكومة حسان دياب.