IMLebanon

إختيار الوزراء المسيحيين بعد 2005… “أنا أسمّي إذاً وصلت الحقوق”

 

يطرح “التيار الوطني الحرّ” ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون مسألة إختيار الوزراء المسيحيين، في حين أن هذه القضية لم تكن موجودة قبل عام 2005 بسبب إختيار الإحتلال السوري لكل الوزراء.

 

لم تكن هذه الأزمة موجودة في عهد عون لو لم يحصل صراع بين الرئيس سعد الحريري والنائب جبران باسيل وإختيار “القوات” عدم المشاركة في الحكومة، بسبب مطالبتها منذ ما قبل انتفاضة 17 تشرين بحكومة إختصاصيين مستقلّة، وبالتالي فقد إنتقل الصراع من صدام بين 8 و14 آذار على عدد الوزراء والثلث المعطّل إلى تنافس طائفي بعناوين ميثاقية وحقوقية تخصّ الطوائف، فيما الشعب يعاني ولا يهتم بكل هذه التفاصيل.

 

ولا بدّ من العودة إلى ما بعد 2005 لمعرفة كيف كان يُختار الوزراء المسيحيون لأن هذه المشكلة لم تكن موجودة عند القيادات الإسلامية.

 

تُعتبر حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الحكومة الأولى التي تألّفت بعد الإنتخابات النيابية عام 2005 وإنسحاب جيش الإحتلال السوري، وقتها إختار رئيس تكتل “الإصلاح والتغيير” النائب ميشال عون البقاء في المعارضة، فيما كان لا يزال قائد “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع مسجوناً، وتألفت الحكومة من 24 وزيراً مناصفةً، وحصل “لقاء قرنة شهوان” و”القوات” و”الكتائب” على 3 وزراء فقط، بينما نال رئيس الجمهورية العماد إميل لحود 3 وزراء هم: الياس المرّ وشارل رزق (لم يستقيلا بعد إعتكاف الوزراء الشيعة بعد حرب “تموز”) ويعقوب الصرّاف، في حين توزّع الوزراء المسيحيون الستة الآخرون بين تيار “المستقبل” والحزب “التقدمي الإشتراكي”، واستغل عون عدم إعطاء مسيحيي 14 آذار حصّة وازنة من قِبل “المستقبل” و”الإشتراكي” لتدعيم موقفه تحت شعار إسترجاع حقوق المسيحيين.

 

وكان 7 أيار تاريخاً مفصلياً، حيث قلب “حزب الله” الموازين بعد هجومه على بيروت والجبل، وانتخب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وقد كُلّف السنيورة تأليف الحكومة أيضاً، ورغم بقاء الأكثرية النيابية مع 14 آذار، إلا أنّ تشبث عون بالحصول على حصة مسيحية وازنة ساهم في رفع مستوى التمثيل لدى كل الأحزاب والقوى المسيحية، فشكّل السنيورة حكومة من 30 وزيراً، وحصل رئيس الجمهورية على 4 وزراء مسيحيين، و”القوات” و”الكتائب” ومسيحيو 14 آذار (قرنة شهوان سابقاً) على 4 وزراء، وتكتل “التغيير والإصلاح” على 5 وزراء، واحتفظ “المستقبل” بوزيرين مسيحيين.

 

جرت الإنتخابات النيابية عام 2009، وأسفرت عن فوز 14 آذار بالأغلبية النيابية، لكن البلاد كانت لا تزال تعيش تحت تأثير صدمة 7 أيار والتي ساهمت في إستدارة رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” النائب وليد جنبلاط، وقد تمّت تسمية الرئيس سعد الحريري للمرة الأولى في مسيرته لترؤس الحكومة، وشكّلها من 30 وزيراً، وخاض “التيار الوطني الحرّ” معركة عدم إعطاء رئيس الجمهورية أي وزير كذلك معركة توزير باسيل الراسب في الإنتخابات وأيضاً تحت عنوان “إستعادة حقوق المسيحيين”، وحصل تكتل “التغيير والإصلاح” والذي كان تيار “المردة” من ضمنه على 5 وزراء، و”القوات” و”الكتائب” ومسيحيو 14 آذار (قرنة شهوان سابقاً) على 4 وزراء، والرئيس سليمان حصل على 3 وزراء، وسمّى الحريري 3 وزراء مسيحيين، علماً أن كتلته كانت تضمّ عدداً كبيراً من النواب المسيحيين.

 

ضرب “حزب الله” ضربته وأطاح بحكومة الحريري ونفّذ إنقلاباً على “اتفاق الدوحة” وسمّى عام 2011 الرئيس نجيب ميقاتي، وسجّلت حكومة ميقاتي التي تألّفت من 30 وزيراً الدخول الأكبر لتكتل “التغيير والإصلاح” إلى الجنّة الوزارية إذ سمّى 10 وزراء مسيحيين من ضمنهم وزراء تيار “المردة” قبل وقوع الخلاف لاحقاً بين عون والنائب السابق سليمان فرنجية، في حين إختار الرئيس سليمان 3 وزراء مسيحيين، ووزيراً مسيحياً آخر للرئيس ميقاتي هو نقولا نحاس، وسمّى “حزب الله” النائب نقولا فتوش حينها وزيراً.

 

وشهدت حكومة ميقاتي غياب قوى 14 آذار عن المشاركة بالحكومة وإندلاع الأزمة السورية، ما دفع ميقاتي إلى الإستقالة، وأسفرت تسوية إقليمية عن تسمية الرئيس تمام سلام الذي ألّف حكومة من 24 وزيراً لم تشارك فيها “القوات اللبنانية”، وشهدت دخولاً عريضاً لحزب “الكتائب” إلى الجنّة الوزارية حيث سمّى 3 وزراء مسيحيين، وتم توزير النائب بطرس حرب، في حين إختار تكتل “التغيير والإصلاح” وتيار “المردة” 4 وزراء، واحتفظ الرئيس سليمان بوزيرين مسيحيين إضافة إلى وزير شيعي هو عبد المطلب حناوي، وإختار “المستقبل” كلاً من النائبين ميشال فرعون ونبيل دوفريج للتوزير، واستلمت هذه الحكومة مهام رئيس الجمهورية بعد الفراغ الرئاسي.

 

كانت التسوية الرئاسية التي أسفرت عن إنتخاب عون في 31 تشرين الأول 2016 بمثابة عودة مسيحية إلى الحكم من باب إنتخاب الرئيس القوي، وشكّلت أيضاً عودة لـ”القوات اللبنانية” إلى الحكومة بعد غياب 5 سنوات، وشكّل الحريري حكومته الأولى في عهد عون وتألفت من 30 وزيراً، وإختارت “القوات” 3 وزراء وتيار “المردة” وزيراً، وتمّت إعادة توزير فرعون، في حين سمّى عون و”التيار الوطني الحرّ” 8 وزراء مسيحيين إضافةً إلى وزير سنّي بعد حصول تبادل مع الحريري الذي إختار النائب السابق غطاس خوري للتوزير، إضافة إلى توزيره وزيراً أرمنياً هو جان أوغاسبيان. جرت الإنتخابات النيابية عام 2018 وقد شهدت خلطاً للتحالفات ولم تخض على أساس معارضة وموالاة، وأعيد تكليف الحريري الذي شكّل حكومة من 30 وزيراً حظي حزب “القوات” فيها بأربعة مقاعد، و”المردة” بوزير واحد، وتم توزير فيوليت الصفدي عن المقعد الأرثوذكسي، وحصد رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحرّ” حصة الأسد بتسعة مقاعد.

 

لم تصمد حكومة الحريري طويلاً وسقطت بعد إندلاع إنتفاضة 17 تشرين وشكّل الرئيس حسان دياب حكومته مطلع 2020 من 24 وزيراً حيث كانت التجربة الأولى غير السياسية، لكنها لم تكن حكومة إختصاصيين مستقلّة فذهبت الحصة المسيحية بأكملها إلى رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحرّ” و”المردة” والرئيس دياب و”حزب الله” وسقطت بعد إنفجار المرفأ.

 

في نظرة سريعة إلى موضوع تأليف الحكومات، فإن الأساس يبقى إدخالها في الصراع الطائفي والمذهبي بدل إختيار الوزير الأكفأ، ويأتي سلوك العهد كعامل إضافي في تراجع دور رئيس الجمهورية الذي يجب أن تكون له كلمة في كل الوزراء وليس فقط المسيحيين، في حين يُعتبر خوض الحريري معركة مقام رئيس الحكومة السنّي ضرباً لإتفاق “الطائف”، ومساعدته عون في تحويل الصراع إلى سنّي- مسيحي بينما الحقيقة أنه صراع بين الشعب والطبقة الفاسدة وبين منطق الدولة والدويلة، وقد قالها البطريرك مار بشارة بطرس الراعي صراحةً “ما يهمّ هو حقوق اللبنانيين لا حقوق الطوائف وملوكها المزعومين”.