Site icon IMLebanon

المسيحيّون والديموغرافية: من مرسوم التجنيس الى وقف العدّ و”تقرير” ميقاتي 

 

 

يعود التداول بعدد المسيحيين نسبة الى عدد المسلمين في لبنان الى الواجهة بعد ما أثاره تعليق رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الأخير على تقرير، زعم ميقاتي أن البطريركية المارونية تلقته عن أعداد المسيحيين في لبنان الذي وصل الى 19.4 %، على ما قيل، ما اثار ردود فعل من قبل البطريركية المارونية والمؤسسة المارونية للإنتشار عليه في ظلّ الخشية على الموقع المسيحي الأول في البلاد.. في الوقت الذي أوضحت فيه مؤسسات إحصائية عدّة بأنّ النسبة أكثر من ثلاثين في المئة، بالإستناد الى لوائح الشطب، كما الى أرقام مديرية الأحوال الشخصية. فقد أظهرت الانتخابات الأخيرة في العام 2022 أنّ نسبة المسيحيين في القوائم الانتخابية تناهز الـ34.42 % وأنّ نسبة المقترعين المسيحيين من مجمل المقترعين ليست بعيدة من هذه النسبة، فضلاً عن أعداد المسيحيين الذين هم ما دون الـ 21 سنة.

 

وتعيد كلّ هذه الردود والردود عليها الى الأذهان ما سبق وأن أعلنه رئيس الوزراء الأسبق الشهيد رفيق الحريري من بكركي عن “إيقاف العدّ” قبيل الإنتخابات النيابية قبل اغتياله، أكّد فيه التزامه بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين في إدارات الدولة والمواقع السياسية والإدارية التي نصّ عليها “اتفاق الطائف”، بمعزل عن الأعداد، وذلك بعد تصريحات تحدّث خلالها بعض المسلمين حينها عن “الديموقراطية العددية”، وصولاً إلى طرح بعضهم قضية “الإستفتاء الشعبي”. وكان أن رفض المسيحيون هذا الأمر وقتها كون الإختلال في الميزان الديموغرافي قد جرى التلاعب به، وقد طمأنهم الحريري الأب بأنّ “الديموقراطية العددية” مرفوضة بهدف تبديد هواجسهم.. وهذه العبارة “وقّفنا العدّ” عاد وكرّرها نجله رئيس الحكومة السابق سعد الحريري خلال خطابه في ذكرى اغتيال والده الـ 16 (في 14 شباط في العام 2021)، إذ قال: “وقّفنا العد، والمسيحيون نصف الدولة، بمعزل عن الأعداد”، مؤكّداً التزامه بموقف والده: “وقّفنا العد، فليس لسعد رفيق الحريري تهمة الإعتداء على حقوق المسيحيين”.

 

غير أنّ وقف العدّ هذا الذي يتمّ “تمنين” المسيحيين به، في كلّ مناسبة، أو التلويح بأنّ انتقاص عددهم بالنسبة للمسلمين قد يحرمهم من بعض المواقع والنفوذ، على ما أكّد مصدر سياسي مطّلع، فلا يعود لأي أحد أن يُقرّره في البلد. فضمانة المسيحيين كفلها لهم الميثاق والدستور منذ إنشاء لبنان الكبير في العام 1920، وتكرّست قاعدة المساواة بين المسيحيين والمسلمين في دستور العام 1926 الذي ساوى بين جميع اللبنانيين، وبعد الإستقلال في العام 1943، كما في “وثيقة الوفاق الوطني”، أي “اتفاق الطائف” الذي نصّ على المناصفة. والمسيحيون هم أساساً من أنشأ لبنان، لهذا فإنّ دورهم لا يقتصر على عددهم، إذا كان مرتفعاً أو تناقص مع الوقت، بل على أهمية وجودهم في منطقة الشرق الأوسط ولا سيما في لبنان.

 

وأوضح بانّه على الرغم من ذلك، فإنّ تناقص عدد المسيحيين الذي شكّل أكثر من 63 % قبل الحرب يعود بالدرجة الأولى ليس فقط الى هجرة عدد كبير من المسيحيين خلالها، أو الى الهجرة الكثيفة التي حصلت بعد انفجار بيروت في العام 2020 التي طالت أيضاً سائر المكوّنات اللبنانية ولو مثّل المسيحيون الشريحة الكبرى منها، ولا حتى الى ارتفاع نسبة الولادات لدى الطائفة المسلمة، إنّما الى مرسوم التجنيس الذي يعود للعام 1994. فقد ساهم هذا المرسوم برفع نسبة المسلمين في لبنان إذ جرى تجنيس 200 ألف شخص منهم 150 ألف مسلم و50 ألف مسيحي. ولهذا فإنّ عدد المسلمين ماضِ في التزايد على مرور السنوات، رغم الشكوى من هذا المرسوم الذي لم يتمّ إبطاله، على ما يجب، ولم يصدر بالتالي المشروع المُلحق به لمعالجة الخلل، ولم يجرِ بالتالي تنفيذ قرار مجلس شورى الدولة كما يفترض.. وتبقى العلّة على حالها.

 

ويقول المصدر نفسه عن هذا المرسوم الذي يحمل الرقم 5246/1994 بأنّه حلقة من سلسلة تهدف الى تغيير ديموغرافية لبنان وهيكلية كيانه، وقد اعتمدتها حكومات ما بعد اتفاق الطائف عن طريق التجنيس مرّة، والتهجير والهجرة مرّة أخرى، وتملّك غير اللبنانيين إلخ… مع عدم اتخاذ أي خطوات مقابِلة لزيادة عدد المسيحيين، حتى من قبل السياسيين المسيحيين، رغم إمكانية القيام بذلك عبر طروحات عدّة لم يتمّ تنفيذها في وقت سابق. وكانت الرابطة المارونية قد طعنت بمرسوم التجنيس هذا أمام القضاء المختصّ في حينه، على ما ذكر رئيسها السفير خليل كرم أخيراً، كونه “هو الذي شكّل الخطر الأكبر والأكثر تأثيراً على ديموغرافية لبنان، وضرب التوازن النسبي الذي كان قائماً في تلك الفترة”.