تقول المملكة العربية السعودية في العلن، كما في عدد من اللقاءات مع جهات خارجية، أنها تهتم بلبنان وتحاول مساعدته ليتجنّب الوقوع في الفتنة والحروب الأهلية جراء مجاورته لسوريا الغارقة في حرب من هذا النوع، وجراء اشتراك شعوبه مباشرة ومداورة، فيها البعض بالقتال المنظّم والبعض الآخر بالقتال العشوائي والبعض الثالث، وهو الأكثر عدداً، بالتعاطف. لكنها تقول في الوقت نفسه إنها لا تتدخل في الشأن اللبناني الداخلي مثل انتخاب رئيس الجمهورية أو التمديد لمجلس النواب. والاستحقاقان مطروحان وبإلحاح في هذه المرحلة. هذا القول صحيح نظرياً وليس عملياً. فهي تعتبر ومن زمان أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية خطر عليها. وقد ثبُت لها هذا الخطر بعد نجاح صاحبته، وإن غير النهائي في السنوات الماضية، في إقامة محور سُمِّى هلالاً، ضمّ عراق المالكي والأكثرية الشيعية وسوريا آل الاسد ولبنان “حزب الله” وفلسطين “حماس” و”الجهاد الاسلامي”. وهو النجاح الذي فرض عليها المواجهة المباشرة لإيران في المنطقة بعد “اندلاع” الربيع العربي، وهو أمر كانت تتحاشاه دائماً، وفي المواجهة المذكورة لم تعد تستطيع المملكة أن لا “تتدخل” في الشأن اللبناني لأن غريمها الإيراني يتدخل ومن زمان فيه، ونجح على مدى سنوات في جعل أحد شعوبه حليفاً ثابتاً له، وفي استدراج قسم من شعب آخر إلى التحالف معه. وتمكّن بذلك من السيطرة في صورة عامة على اللعبتين السياسيّة والأمنية في البلاد. ولم تعد تستطيع الامتناع عن التدخّل، لأن سوريا الأسد حليفة إيران قدّمت لها خبرتها ومعلوماتها و”ملفّاتها” التي ساعدتها كثيراً في نجاحها اللبناني.
انطلاقاً من ذلك ساد اقتناع في لبنان، ليس عند شعوبه فقط بل عند زعمائه المتنوّعين، بأن لا حل للقضايا الشائكة والمعلّقة فيه وأهمها الآن إنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية ومنع الفراغ النيابي إلا بتدخل منسّق بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولا يخجل هؤلاء باقتناعهم اذ عبّروا عنه علانية أكثر من مرة وفي مقدمهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، اذ أكد أكثر من مرة أن لا حل في لبنان من دون السين – سين سابقاً أي السعودية وسوريا، ثم من دون الألف والسين حالياً أي إيران والسعودية. هل ينجح الجهد السعودي في إبعاد الفراغ النيابي الذي يُبذَل في الدرجة الأولى مع مسيحيي 14 آذار الرافضين تمديد ولاية مجلس النواب قبل انتخاب رئيس جديد للبلاد، باعتبار أن مسيحيي 8 آذار الرافضين الأمر نفسه أيضاً يستطيع مُسلمو فريقهم المؤيدون له أن يقنعوهم بمشاركة ما، وإن من دون تصويت، تؤمّن نصاباً ثم شرعية للمجلس الممدَّد له وإن منقوصة؟
لا أحد يعرف حتى الآن. فرئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع زار المملكة الأسبوع الماضي كما زارها في الوقت نفسه النائب الكتائبي سامي أمين الجميل. علما أن الاثنين لم يلتقيا فيها متصرّفين على أنهما فريقان منفصلان على رغم كونهما جزءاً من 14 آذار. والمعلومات المتوافرة تشير إلى أنهما سمعا من المسؤولين السعوديين، كما من حليفهما الرئيس سعد الحريري، إصراراً على التمديد. وتشير أيضاً الى أنهما لن يُقدِما، وخصوصاً الأول، على خطوة تعرّض العلاقة الممتازة مع السعودية والتحالف مع “تيار المستقبل” للخطر. لكن السؤال الذي يُطرح هنا هو: هل تكون الخطوة الاشتراك في الجلسة فقط أم التصويت للتمديد ايضاً؟ والجواب عنه أن الحليفين اللدودين “القوات” والكتائب لم يحسما موقفيهما من هذا الموضوع حتى الآن.
لكن ما يخشاه فريق “التمديديّين” للمجلس النيابي أن يستمر مسيحيو 14 و8 آذار في معركتهما من دون النظر إلى أن نتائجها المستقبلية على مسيحيي لبنان ودورهم مستقبلاً قد تكون سلبية. فالعماد ميشال عون زعيم “التيار الوطني الحر” يتمسّك بالرئاسة وقد جعلها شرطاً لقبوله التمديد النيابي وأي شيء آخر. والدكتور سمير جعجع يخشى أن يُخسِّره الوقوف مع “التمديد” قسماً من شعبيته المسيحية. ولذلك فان حلفاءه يخشون أن “يجرّه” عون إلى موقفه. والبعض منهم يعتبر أن الخشية مبرَّرة بسبب سابقة نجاح عون في استدراج جعجع إلى الموافقة على مشروع قانون انتخاب “اللقاء الارثوذكسي” الذي رفضه حلفاؤه، ومبرَّرة ايضاً بضغط جعجع على “المستقبل” كي تستأثر “قواته” بمقاعد النواب المسيحيين الأعضاء فيه.