Site icon IMLebanon

التعدُّدِيّة المسيحيّة: نقمة أم نعمة؟

«يتغنّى» المسيحيون بتعدُدِيَتهم السياسية التي تميِّزهم عن سائر الطوائف في لبنان، هذه التعدُدِيَة التي لا يمكنُ للحياة السياسية الديموقراطية أن تستقيمَ من دونها.

الثغرة الكبرى في تكوين فريق ٨ آذار تتمثل بغياب المكوّن السنّي الوازن. والثغرة الكبرى في تكوين فريق ١٤ آذار تتمثل في غياب المكوّن الشيعي الوازن. والثغرة الكبرى في ٨ و١٤ آذار تتمثل في غياب المكوّن الدرزي الوازن، فيما المكوّن المسيحي يتمثل بقوة وبشكل متوازن بين الفريقين.

وقد دلت التجربة منذ العام ٢٠٠٥ بالحدّ الأدنى أنّ التعددية المسيحية لم تنسحب على الطوائف الأخرى، الأمر الذي جعل نتائج أيّ انتخابات نيابية محكومة بالتشارك بين ٨ و١٤ آذار حرصاً على عدم تغييب أيّ مكوّن تمثيلي، ما أدّى إلى تعطيلِ اللعبة الديموقراطية التي تَفترض أن يحكم الفريق الفائز ويعارض الفريق الخاسر.

وفي وقتٍ لا يبدو في الأفق وجود أيّ ملامح لتبَدُلٍ في البنية السنّية والشيعية والدرزية من الأحادية أو الأحادية-الثنائية نحو التعددية، تتحوّل التعددية المسيحية، ويا للأسف، من نعمة إلى نقمة، لأنها تضعف الموقف المسيحي في الدولة، وتجعل الصوت المسيحي الانتخابي في المناطق المختلَطة غير مؤثر بفعل الانقسام المسيحي.

وحيالَ هذا الواقع تبرز ثلاث وجهات نظر:

الوجهة الأولى تقول إنّ القيمة المضافة للمسيحيين تكمن في تعدديتهم، والتخلّي عنها بفعل اليأس من عدم قدرة الآخرين على التشبه بهم هو خطأ لا بل خطيئة، لأنّ من مسؤولية المسيحيين إنجاح التجربة اللبنانية التي كانوا في أساس قيامها، ومفتاح إنجاح هذه التجربة يكمن في تطويرها وتحديثها على قاعدة الديموقراطية والحريات والتنوّع والتعدد، فيما تراجعهم عن هذه المهمة يعني الإقرار باستحالة التطوير والتغيير، ودخول لبنان في موتٍ سريريٍّ بطيء، وبالتالي أولويتهم يجب أن تبقى الدفاع عن مشروع الدولة وفكرة لبنان بعيداً من الحسابات التمثيلية الضيقة.

الوجهة الثانية تقول إنّ حلّ مسألة التعددية التي تُضعف الموقف المسيحي تكمن في إقرار قانون انتخاب جديد يعيد الوزن للصوت المسيحي، لأنه بإعادة الوزن تُصان التعددية، حيث إنّ الأصوات غير المسيحية تصبح في أسوأ الأحوال مرجَحَة لا مقرَرة، فضلاً عن أنّ النسبية في حال إقرارها تفتح ثغرة، يمكن البناء عليها، في جدار الأحادية الإسلامية.

ولكنّ المشكلة التي تبرز في هذا السياق هي غياب الإرادة الوطنية في إقرار قانونٍ جديدٍ يُعيد تصحيحَ الخلل في التمثيل المسيحي. وفي ظلّ غياب هذه الإرادة لاعتباراتٍ مختلفة سيستمرّ تغييب المسيحيين عن المشاركة الفعلية في القرار الوطني. فهل المطلوب في هذه الحال مواصلة الضغط لإقرار قانونٍ تمثيلي، أم الذهاب نحوَ خيارات أخرى؟

الوجهة الثالثة تقول إنّ الحلّ الوحيد في ظلّ غياب التعددية في البيئات الأخرى، أيْ السنّية والشيعية والدرزية، وعدم القدرة على إقرار قانون انتخابٍ جديد، يكمن في وحدة الصف المسيحي. فوحدة الصف هي الكفيلة باستعادة حقوق المسيحيين التمثيلية كونها تعوِّض الخلل في الديموغرافيا والقانون وتُصحِح الخلل في التمثيل، فتحقق النتائج المَرجوَّة من المشروع الأرثوذكسي من دون العودة إلى الأرثوذكسي الذي يثير انقساماً وطنياً وطائفياً.

كما أنّ وحدة الصف المسيحية ليست موجَهة ضدّ المسلمين، بل الهدف منها ترتيب البيت المسيحي في اتفاقٍ ضمني على التمييز بين البعدَين التمثيلي والوطني، حيث يستمرّ الانقسام الوطني بمعزلٍ عن التحالف الانتخابي.

وفي موازاة ذلك من غير المنطقي تحميل المسيحيين مسؤولية التجربة اللبنانية، فيما هذه المسؤولية ملقاة على كلّ الطوائف في لبنان، ومواصلة تحميلها للمسيحيين يوحي وكأنّ المطلوب استمرارهم، بحجة عناوين برّاقة، حصصاً موزَعة على الآخرين، فضلاً عن أنّ هوية لبنان ودوره مسؤولية كلّ الجماعات اللبنانية، فإما تكون هذه المسؤولية مشترَكة أو لا تكون، كما أنّ الأكثر تضرراً من هذا النزف المتواصل منذ أكثر من 46 عاماً هم المسيحيون، وبالتالي استمرار هذا الوضع لـ 46 سنة إضافية يعني تفريغ لبنان من المسيحيين، ولذلك بات ملحاً التفكير والبحث عن أفق جديد أو دور جديد.

وتأسيساً على ما تقدّم: هل التعدُدِية نقمة أم نعمة؟ وأيّ وجهة نظر يجب على المسيحيين اعتمادها وتبنّيها؟