يحاول البعض في سياق ذرّ الرماد في العيون تحميل القوى السياسية المسيحية مسألة الشغور في رئاسة الجمهورية، والقول إنه لو اتفق المسيحيون في ما بينهم لانتهى الأمر. والخطير في هذه المقولة أنّ قسماً لا بأس به من الرأي العام المسيحي إنطلى عليه هذا الأمر فأخذ يردّده ليستخدمه المعطّلون الحقيقيون كصكّ براءةٍ في مواجهة اللبنانيين.
لنفترض أنّ «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ» و»الكتائب» والقوى المسيحية المستقلة والبطريركية المارونية، إتفقوا على مرشحٍ واحدٍ واعتبره «حزب الله» لا يتوافق مع مواصفاته، فهل يمكن انتخاب هذا المرشح رئيساً للجمهورية؟ ألن تتصاعد أصوات من يتهمون المسيحيين وتحديداً الموارنة بعدم الاتفاق على مرشحٍ بأنه لا يجوز للمسيحيين أن يصادروا الإرادة الوطنية وأن الرئيس هو لكلّ لبنان وليس للمسيحيين فقط؟
إنّ تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية واستمرار الشغور هو من مسؤولية المسيحيين والمسلمين، فالثنائي الشيعي هو الذي يبادر إلى تطيير النصاب في كل جلسةٍ، وبالتالي هو الذي يمنع انتخاب رئيسٍ في الدورات التي تلي الدورة الأولى ويحصل ذلك بموجب عنوانٍ مضللٍ وهو التوافق على رئيس، في حين أن هذا الثنائي يريد توافقاً على مرشحه فقط وإن لم يحصل هذا التوافق فلا انتخاب لرئيس الجمهورية. وربّما من هذا الباب حمّل رئيس مجلس النواب نبيه برّي ما سمّاه خلاف الموارنة مسؤولية تعطيل الرئيس لأنّ الرئيس برّي و»حزب الله» يريدان توافق القوى المسيحية على مرشّحهما رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية.
في التعطيل أيضاً هناك «التيار الوطني الحرّ» الذي يصوّت بورقة بيضاء ولكنه لا يعترض على تطيير نصاب الجلسات، وبالتالي فهو بطريقة أو بأخرى يؤيّد كطرف مسيحي ماروني ما يقوم به الثنائي الشيعي من عملية تعطيلية، ولو توافق «الحزب» و»الحركة» على رئيسه جبران باسيل كمرشح للرئاسة لكان التحق بهما وزالت كل الخلافات القائمة بين هذه الأطراف الثلاثة.
تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية هو بين فريقين وليس بين طوائف ومذاهب، فريق متعدّد الطوائف والمذاهب يريد الإنتخابات في موعدها أو في أسرع وقتٍ ممكن، وهو فريق مهتمّ بصالح لبنان وسيادته واستقراره وازدهاره وانفتاحه، وفريق آخر متعدّد الطوائف والمذاهب يريد بقاء لبنان ساحة للصراعات والحروب وللإنطلاق نحو الصراعات في المنطقة وربطه بالدول الفاشلة وبالمشاريع الغريبة عن نسيجه وتعدّديته.
هكذا ببساطة على اللبنانيين أن يفرّقوا بين هذين الفريقين ويدركوا أن التعطيل خيار سياسي وليس خلافاً على أسماء.