في مقاربتهم لأوضاع المسيحيين في الدول العربية التي تشهد غزوات التنظيمات الاسلامية المتشددة والتكفيرية، لأن هناك اجماع لدى القيادات والاحزاب المسيحية، والشخصيات الفاعلة اقتصادياً ومالياً ومدنياً وسياسياً، على ان مسيحيي هذا الشرق، يمرون باصعب محنة لهم. ربما منذ فجر المسيحية، وظهور الاسلام، وان اي عمل عسكري او سياسي او انمائي لاعادة الوجود المسيحي في هذه الدول، الى ما كان عليه، قبل احداث الحادي عشر من ايلول في نيويورك، والحروب التي تلت، هو من المستحيلات، لأن ما جرى للمسيحيين في سوريا والعراق وفلسطين، وفي شكل اقل عنفاً في مصر وتونس،كان عملية اقتلاع من الجذور التي يصعب اعادة تكوينها في عقود او قرون، خصوصاً في ظل هذه اللامبالاة الخسيسة التي تميز تصرف الدول الغربية، وفي مقدمها الولايات المتحدة الاميركية، حيال هذه التنظيمات المتوحشة، بالاضافة الى ضعف الانظمة في الدول العربية، التي تعتبر معتدلة، وغرقها في نزاعات وحروب وعداوات مذهبية وبالتالي فإن البلد الوحيد في العالم العربي، ذي الاغلبية المسلمة، الذي ما زال الوجود المسيحي يتمتع فيه بصحة جيدة نسبياً هو لبنان، والفضل في ذلك يعود الى النظام الديموقراطي الذي بدأ اللبنانيون يمارسونه منذ الانتداب الفرنسي، وتعزز بعد الاستقلال بصيغة العيش المشترك، ما حوّل اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، الى شعب متميز عن الشعوب العربية الاخرى، ليس بالعلم والثقافة ومواكبة تطور العالم، فحسب، بل بالاعتدال الديني، على الرغم من تعرضه احيانا الى هزات كبيرة، كانت بمجملها من صنع الخارج، وانساق اليها المتطرفون اللبنانيون من جميع الطوائف والمذاهب، ولكنها والحق يقال، لم تستطع ان تقتلع الاعتدال من نفوس اللبنانيين.
ومما لا شك فيه ان الحرب الطويلة التي ضربت لبنان، انعكست سوءا على المسيحيين، كما ان الوصاية السورية المباركة من الولايات المتحدة واوروبا والدول العربية، عمقت هذا السوء وزادت عليه، ولكن الاكيد ان جميع هذه العوامل لم تتمكن من ضرب الوجود المسيحي في لبنان، لكنها، وضعته في غرفة العناية الفائقة، حيث يلزمه الكثير من الرعاية والانتباه والصبر، للبقاء على قيد الحياة، خصوصاً بعدما غرقت سوريا والعراق في آتون الحرب والقتال والقتل، وبدأت التنظيمات التكفيرية المنتشية بانتصاراتها على العالم كله، تدق الباب اللبناني، تسبقها اخبار وافلام جرائمها المروعة، بما يلزم جميع القيادات المسيحية من دون استثناء احد، الزمنية والروحية، ليس بالتفتيش عن حقوق المسيحيين الضائعة او السليبة، فهذه المطالب لها وقتها يا قوم، ومن الواجب الحوار مع الشريك الآخر حولها، ولكن بداية، اجتمعوا واجمعوا على خطة للمحافظة على الوجود المسيحي المهدد، فماذا ينفع المسيحيين ان يحصلوا على حقوقهم ويخسروا وجودهم؟ والمحافظة على الوجود لا تتم بمعاداة الشريك المسلم، بل بالتفاهم والتعاون معه، بخلاف ذلك، سنضيّع الحقوق والوجود معاً.