لم يشغل انتقال الشابين المسيحيين إيلي الوراق وشارلي حداد الى صفوف المجموعات التكفيرية الأجهزة الأمنية فحسب، بل أحدث صدمة كبرى ضمن المجتمع المسيحي في لبنان، وفي الكنيسة عموماً على اختلاف مذاهبها، بالرغم من أن الشابين هما من طرابلس ويتبعان للكنيسة الأرثوذكسية.
على صعيد الأجهزة الأمنية فإنها تكثف جهودها لمعرفة كيفية انتقال الوراق وحداد الى تركيا ومن ثم الى سوريا، وقيامها بالتحري عن الأشخاص أو الجهات الذين غرروا بهما وقاموا بتأمين كل مصاريف السفر لهما لحين التحاقهما بتنظيم «داعش»، فضلا عن اتخاذها كل التدابير من أجل مراقبة كل المشتبه بتورطهم للحؤول دون التغرير بالشبان المسيحيين والمسلمين على حد سواء، واستغلال حالات الإحباط واليأس التي تسيطر عليهم جراء الوضع الاجتماعي المتردي الذي يسيطر على كثير من العائلات على اختلاف طوائفها ومذاهبها.
أما على صعيد الكنيسة فثمة حالة طوارئ غير معلنة للبحث في الأسباب التي تدفع شباناً مسيحيين الى التخلي عن دينهم أولاً، والى الالتحاق بالمجموعات التكفيرية ثانياً، ودراسة مكامن الخلل مجتمعياً وكنسياً والدور الذي يمكن أن يلعبه رجال الدين المسيحيين على صعيد احتضان هذه الفئة من الشبان والاستماع الى مشاكلها ومحاولة تقديم المساعدات الممكنة لها، بدل أن تبقى عرضة للاستغلال أو غسل الأدمغة.
وعلمت «السفير» أن اتصالات مكثفة جرت بين الأجهزة الأمنية ومطرانية الروم الأرثوذكس في طرابلس والكورة وتوابعهما، من أجل تنسيق الجهود للتصدي لهذا التسرب المسيحي المحدود باتجاه «داعش»، والحؤول دون تحوله الى ظاهرة.
ويشير كاهن رعية طرابلس للروم الأرثوذكس الأب إبراهيم سروج الى أن «لا مشكلة لدينا في أن يعتنق أي مسيحي الإسلام لأن هذا يدخل ضمن حرية المعتقد والتفكير، لكن المشكلة هي في أن ينضم المسيحي خصوصاً، والمسلم بشكل عام، الى المجموعات التكفيرية التي تقتل وتهجر وتذبح بما يخالف كل التعاليم الدينية والشرائع السماوية.
ويقول الأب سروج لـ «السفير»: «إن انضمام شابين مسيحيين الى المجموعات التكفيرية لا يعتبر ظاهرة، وإنما هو جرس إنذار يجب أن نقف عنده وأن نسارع الى معالجة الخلل الحاصل، خصوصاً أن الشابين ينتميان الى عائلتين أرثوذكسيتين عريقتين ونحن نعرفهما حلة ونسباً، لكن لكل عائلة كبوة وفي كل عائلة شخص فيها يسيء إليها. وبالنسبة إلينا من ينضم الى المجموعات الارهابية فإنه يخرج عن الإيمان المسيحي الذي يدعو الى نبذ العنف وقبول الآخر وعدم القتل، ومسامحة الأعداء، كما يخرج عن الإيمان الإسلامي الذي يدعو الى السلام».
ويضيف سروج: «نحن منذ فترة نبحث في الأسباب التي دفعت الشابين للانضمام الى المجموعات الارهابية، وقد وجدنا أن حالات الإحباط واليأس والبطالة والفقر، فضلا عن العامل النفسي والبيئة المحيطة كلها مجتمعة تشكل سبباً رئيسياً، وهذا الأمر لا ينطبق على المسيحيين فقط بل على المسلمين أيضاً الذين يغادر بعض منهم للالتحاق بهذه المجموعات».
ويتابع سروج: «نحن جماعة مبعثرين، وللأسف فإن الاكليروس لا يهتمون كما يجب بالناس، فنحن كرجال دين يجب أن نكون خداماً، وأن نسارع الى رعايانا ونساعدهم ونعمل على حل مشكلاتهم الاجتماعية والطبية والتربوية، لكن للأسف هذا الأمر لا يحصل دائماً، بما يؤدي الى اتساع الهوة القائمة بين الطرفين، ويجب أن نسارع بعد هذا الخرق الذي حصل بانضمام الشابين المسيحيين الى داعش الى ردم هذه الهوة، كما على الدولة أن تكون حاضرة بقوة بكل مؤسساتها وأن تكون على مستوى تطلعات الشباب لجهة إيجاد فرص عمل لهم بما يمكنهم من العيش بكرامة، وعندها تختفي هذه الخروقات والظواهر التي إن استفحلت فإن نتائجها ستكون كارثية على الجميع».
ضاهر
من جهته يقول مطران طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الملكيين الكاثوليك المطران إدوار ضاهر: «نحن نستنكر ونشجب كل عمل يؤدي الى إلحاق الأذى بالآخرين، إن كان ناتجاً عن أشخاص مسيحيين أو مسلمين. والانسان إذا كان مؤمناً عليه أن يكون منفتحاً وأن يحترم أخيه الانسان ويعترف به مهما كان لونه أو دينه أو عرقه، لكن للأسف ما يحصل هو نوع من غسيل الأدمغة للاتجاه نحو التعصب والتطرف، وهذا بالنسبة لنا هو الجهل بحد ذاته لأنه لا يستوي الملتزم والمتعصب».
ويضيف ضاهر: «ما يحصل هو غريب عن المجتمع اللبناني عموماً وعن المجتمع الطرابلسي خصوصاً، فطرابلس معروفة بأن مسلميها ومسيحييها منفتحون ومسالمون، ولم يجعلهم الالتزام الديني في يوم من الأيام منغلقين على ذاتهم».
ويرى ضاهر أنه «آن الأوان أن يتحمل المسؤولون السياسيون مسؤولياتهم، وأن يعلموا أن خلافاتهم توصل شبابنا الى اليأس والعدم والتطرف. كما آن الأوان للدولة أن تهتم بطرابلس التي لا يجوز في أي شرع أن يكون فيها كل هذا الفقر والجوع والاحباط. وعلى الدولة أن تسارع الى الانقاذ من خلال دفع مشاريع المدينة وتفعيل مرافقها المتوقفة. كذلك فإننا نحتاج الى صحوة روحية، لذلك أدعو رجال الدين والمطارنة وأصحاب السماحة والمشايخ الى أن يلعبوا دورهم مجتمعين من أجل تحصين شبابنا والحؤول دون التغرير بهم نحو الاتجاهات الخاطئة».
الزعبي
ويقول رئيس «جمعية الأخوة الاسلامية» الشيخ صفوان الزعبي: «إن ما يحصل هو ظاهرة محدودة جداً، سواء بالنسبة لعدد المسيحيين في لبنان او حتى بالنسبة لعدد مقاتلي داعش، ولا بد ان نعترف أن لإعلام داعش القوي ورفعه شعار الثورة على الظلم ومقارعة قوى الاستكبار، فضلاً عن استخدامه الانترنت بشكل فعال، الأثر الكبير في تجنيد الشباب. وفي المقابل هناك ضعف شديد في هذه المجالات لمن يتصدى لمحاربة داعش. وطبعاً نحن مع دخول الناس في دين الله أفواجاً، لكن الدين الصحيح المبني على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وليس المنحرف والمستخدم فقط للسيطرة على البلاد والعباد».
ويرى الزعبي أن علاج هذه الظواهر يكون بنشر العلم والوعي وإقامة العدل «وهذه مسؤولية المجتمع ككل بمسلميه ومسيحييه، وليست مسؤولية فئة واحدة».