IMLebanon

قراءة مسيحية في «إعلان النيّات»

قرأت مصادر وطنية ومسيحية ورقة «إعلان النوايا» بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» بعين موضوعية، واضعة الإعلان في خانة سياسات مدّ الجسور، وإزالة التشنجات المزمنة مسيحيا، تمهيدا لتعميم نهج الانفتاح والحوار، على الرغم من الشوائب التي طالت «الإعلان» حسب ما ذكر مراقبون متابعون. 

بعد مرور عام على الشغور الرئاسي، يجد متابع مجريات التطورات الشعبية والسياسية في الوسط المسيحي التي تَلت إعلان «ورقة النوايا» بين «القوات» و«التيار»، أن لا تغيير جوهرياً طرأ على طريقة تعاطي الطرفين مع بقية الفرقاء السياسيين حلفاء كانوا أم خصوماً، أو في أسلوب معالجتهما لمختلف القضايا المُثارة على الساحتين المحلية والإقليمية… وهذا طبيعي. فلا «القوات اللبنانية» في وارد اعادة التموضع السياسي أو تبديله، ولم يوحِ التيار «الوطني الحر» من قريب أو بعيد باستعداده لسلوك مثل هذا المنحى.

الا ان ما تغير، يكمن في حاجة البيئة المسيحية الى مثل هذا اللقاء في الشكل والى مثل هذا «الاتفاق» في المضمون، الأمر الذي تم. ذلك ان طي صفحة الماضي بين الفريقين ليس بالأمر الهيّن، ولا بد من نقطة انطلاق ما. 

وما تغير، بحسب رأي المصادر، يكمن ايضا، في الوقوف أمام تمويه البعض غايات ومرامي انخراطه في «المعركة الوجودية» الجارية على امتداد الأمصار المحيطة بلبنان، فيما كان الموارنة يتناسون أنهم في صميم الألم المسيحي الكبير، ألم الجلجلة. فهم ربّما يواجهون التحدّي الأشدّ خطورة في تاريخهم كشعب، وفي تاريخ الجماعات المسيحية الشرقية على السواء، وهو تحدّي الوجود الحقيقي غير المموّه، ليس بسبب الشغور الرئاسي فحسب، بل الخوف الواقع من إضاعة ما أنجزه اللبنانيون معاً منذ إنشاء لبنان الكبير، على ما يقول أحد حافظي أسرار الكرسي البطريركي الخالد الى عزلته الروحية. 

ويضيف، لا يكمن الموضوع في ايقاف حملات التجريح وتوجيه الشتائم والسباب بين الطرفين فحسب، على أهميتها. وهل بسيط الاستعاضة عند الخلاف السياسي عن المواقف العدوانية غير المستحبّة، بالموقف والحجّة السياسية؟!

في الوسط الشعبي، هناك شعور ان اللقاء والاعلان انما توّجا الدخول في مرحلة جديدة بعيدا عن الماضي الأسود. هي مرحلة اعادة بناء الثقة بين الفريقين والجمهورين.

وفي الوسط المفكر والساعي الى لملمة الوضع المسيحي، هناك من يقول ان الارادة كانت موجودة لدى الطرفين كذلك النية، وهذا ما تزامن مع تضافر عوامل ضاغطة سهلت حصول هذا التحول، ومنها: التطورات والمتغيّرات الإقليمية التي وضعت المسيحيين في لبنان أمام مخاطر وتهديدات غير مسبوقة في طبيعتها الوجودية والمصيرية، الى الدور المتراجع والخلل في التوازن العام بمختلف ابعاده. الأهم، ان القادة الموارنة تلمسوا بالفعل حالة تذمر واعتراض واسعتين في الشارع المسيحي، باتت تهدد بسحب البساط من تحت الأقدام، أقدام القادة مجتمعين وليس فقط لدى «القوات» و«التيار».

وفي الوسط السياسي، يمكن القول ان الارتياح قائم ايضا، وفي الوقت عينه هو ارتياح مشوب بالحذر والترقب. فبالنسبة الى البعض، يمثل هاجساً التأسيس لثنائية مسيحية بين قوتين سياسيتين وشعبيتين قد تصل الى اختزال الواقع المسيحي وتحتكر القرار والتمثيل وما يستتبعهما. 

مهما يكن،تقول المصادر، الكنيسة المارونية تتشارك مع النخب المفكرة بأهمية مضمون النيّات، لا سيما الاعلان الخطي عن دعم اتفاق الطائف، والتعهد باحترام أحكام الدستور كافة دون انتقائية، والتزام سياسة خارجية مستقلة ونسج علاقات تعاون وصداقة مع جميع الدول ولا سيما العربية منها، واحترام قرارات الشرعية الدولية كافة والالتزام بمواثيق الامم المتحدة وجامعة الدول العربية، وتأكيد التمسك بالمبادئ الكيانية المؤسسة للوطن اللبناني القائمة على المشاركة الكاملة في الحكم والعمل المشترك من أجل اقرار القوانين المحققة لذلك وفي طليعتها قانون استعادة الجنسية وقانون تملك الأجانب، كما العمل من أجل الحؤول دون القيام بأي اجراءات تخالف المبادئ المنبثقة من الصيغة اللبنانية ومن الميثاق الوطني، واعتماد اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة، والتطلّع الى قانون انتخابي وطني وجامع يرسّخ مفهوم العيش المشترك بين اللبنانيين، ما يعني ابعاد شبح الأخذ بالقانون الأرثوذكسي.

وتشير الى انه من الواضح ان «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» قاما بقراءة متأنية لمقررات المجمع الماروني وشرعة العمل السياسي والمذكرة الوطنية ووصايا حافظ أسرار البطريركية المارونية لأربعة وثلاثين عاماً الخوري ميشال العويط في كتابه «وصيّتي إلى الموارنة».

رغم ذلك، لم يحصل اتفاق بينهما على الرئاسة. وفي الخلاصة أن الأمور لن تصطلح، ولن يكون هناك رئيس للجمهورية، ولن يستعيد الموارنة المبادرة، إلا من خلال عودتهم الى الينابيع، وحين تتحول السياسة إلى فن شريف في خدمة الإنسان والخير العام. فهل تتحول؟!