قرأت أوساط سياسية مسيحية في مشهد التوتر والتصعيد في الشارع، دلالات واضحة وثابتة ومفاجئة على أن انقسام الشارع اللبناني هو أقوى من اتفاق القوى السياسية، بصرف النظر عن طبيعة التفاهمات المعقودة خلال السنوات الماضية، والتي لم تنسحب سوى على القوى السياسية، والتي بدت خلال ساعات المواجهة بعد ظهر السبت الفائت في شوارع بيروت، غائبة عن السمع، على الرغم من الحدث الكبير والخطير الذي سُجّل، والذي كان متوقّعاً من قبل المواطنين قبل المسؤولين جراء الكلام المتداول في الشارع بأن لبنان على موعد مع تطورات خطيرة، لا سيما على المستوى الأمني. وربطت هذه الأوساط ما بين تدرّج المواقف السياسية التصعيدية والمتشنّجة على الصعيدين الطائفي، كما المالي، في آن واحد، خلال الأسابيع القليلة الماضية، لكنها وجدت أن الإنقسام الطائفي الذي سُجّل على خلفية الطرح حول الصيغة اللبنانية وسقوطها، قد انقلب إلى انقسام وطني، وذلك لاعتبارات محلية وخارجية دفعت كل فريق محلي إلى السعي لتعزيز مكاسبه، بصرف النظر عن تعريضه البلاد للخطر والإنهيار على كل المستويات. وكشفت أن الأحداث التي حصلت في الشياح وعين الرمانة، لم تكن منعزلة عن المناخ العام في الشارع، بعدما خرج السجال عن الإطار التقليدي المتوافَق عليه بالتفاهمات الداخلية، وتطوّر إلى حملات ومواجهات حول عناوين مصيرية.
وأبدت الأوساط السياسية المسيحية استياءها من «الهجمة» التي استهدفت منطقة عين الرمانة، معتبرة أن المناطق المسيحية ليست «فشّة خلق» لأحد، ويخطئ من يعتقد أن بإمكانه ترهيب المسيحيين، لأنه في زمن الوصاية السورية لم ترضخ البيئة المسيحية، وذلك بدليل ما قامت به بكركي من انتفاضة على كل هذا الواقع وأخرجت الجيش السوري من لبنان. وأشارت إلى أنه إذا كان هنالك من طرف يعتقد أنه يستطيع توصيل الرسائل السياسية للقيادات المسيحية من خلال ترهيب المسيحيين، فهو مخطئ، لأن المسيحيين ليسوا بوارد إعادة تجديد الحرب في لبنان، وذلك لأنهم الطرف الأكثر حرصاً على الدستور وعلى مشروع الدولة والقانون، لأن المسيحي في لبنان يدرك أن مشروعه الوحيد هو الدولة، وليس لديه أية مشاريع إقليمية، كون الدولة وحدها هي التي تضمن وجوده ودوره.
واستدركت الأوساط السياسية نفسها، أن المسيحيين لا يقبلون الترهيب، لأن وضع مسيحيي لبنان يختلف عن وضع كل المسيحيين في المنطقة، وذلك مع كامل الإحترام لهم ولظروفهم الديمغرافية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية، إذ منذ 1500 عام عاش مسيحيو لبنان في المغاور والجبال من أجل الحفاظ على الحرية، ورفضوا الإنصياع للإحتلالات المتعاقبة، ولا تزال صخور نهر الكلب شاهدة على المقاومة المسيحية على مرّ التاريخ، وبالتالي إذا كان أحد الأطراف يحاول أن يرهب المسيحيين، فقد أخطأ في العنوان، ولذلك عليه أن يقرأ التاريخ جيداً، وأن يعود إلى أحداث الحرب اللبنانية عندما لم يكن هذا الطرف موجوداً.
وإذ أبدت الأوساط تفهّمها لأي طرف محلي يرفض ميثاق الـ43 وصيغة العيش المشترك، أكدت أنه عليه أن يتجنّب أي «دعسة» ناقصة، وأن يقرأ التاريخ جيداً، وذلك لتحقيق مصلحته ومصلحة لبنان، لأن ما حصل في عين الرمانة من استفزاز للمدنيين السلميين غير مسموح، واذا كانت الأمور قد جرت على خير هذه المرة، فلا أحد يستطيع أن يضمن في المرات المقبلة عدم خروج الأمور عن السيطرة وتجدّد تجربة «بوسطة» عين الرمانة التي حاولت أن تستفزّ أهالي المنطقة السلميين.
وخلصت الأوساط عينها، إلى أن ما من طرف محلي لديه مصلحة في عودة الحرب، وذلك على الرغم من الإنقسامات السياسية الداخلية حول سلاح «حزب الله» في لبنان، إذ أن تسوية هذا العنوان، يجب أن تتم سياسياً، وبانتظار هذه التسوية على «حزب الله» أن يدرك أن هناك خطوطاً حمراء لا يمكن لأي طرف تجاوزها.