«عض أصابع» بـ«أسنان» قانون الانتخابات
«الممانعة المسيحية» تشكو: «تحالف رباعي» يهمِّشنا
تستخدم القوى السياسية لعبة عضّ الأصابع في نزاعها المعلن حول الجلسة التشريعية المفترض عقدها في 12 و13 الجاري، كما حدد الرئيس نبيه بري موعدها، حيث تأمل الاصطفافات «الموضعية» الناشئة بنتيجتها، أن تدفع الفريق الآخر خلال هذه الفترة الفاصلة، الى تطويعه وجرّه الى ملعبها.. على قاعدة مَن سيتألّم أولاً.
هكذا، يريد بري من هذه الجلسة أن تكون بمثابة كاسحة ألغام تسمح له بفتح أبواب مجلس النواب من جديد، ولو في إطار ضيّق اسمه تشريع الضرورة، ويفضّل في المقابل أن لا تكون هذه «البروفة» عرضة للتفجير من داخلها إذا ما تضمّنت بنداً قابلاً للاشتعال، والمقصود به قانون الانتخابات.
ولهذا حاول اصطياد «التيار الوطني الحر» بصنارة اقتراحَيْ استعادة الجنسية وآلية توزيع أموال البلديات، كي يبعد كأس قانون الانتخابات عن الهيئة العامة، لعلّه بذلك يتمكّن من فصل مسارَيْ «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» اللذين ربطا مشاركتهما بسلّة شروط واحدة، فأضافا حجراً جديداً على عمارة «إعلان النوايا».
في المقلب الآخر، لا يمانع «تيار المستقبل» من مسايرة رئيس المجلس في مسعاه لإعادة النبض الى البرلمان العاطل عن العمل، شرط أن لا يُضطر الى دفع أيّ ثمن مقابل هذه الخطوة، أو أيّ تنازل. ولهذا يضع فيتو على أي احتمال قد يرفع قانون الانتحابات الى بند يُدرَج على جدول أعمال الجلسة التشريعية، مع العلم أنّ مختلف الأفرقاء يعرفون ضمناً أنّ بند قانون الانتخابات لا يمرّ بتسوية هامشية يُراد منها الاتفاق على جدول أعمال تشريع الضرورة، لا بل هو تتويجٌ سياسيٌّ لتغيّر موازين القوى، لم يحِن زمانه بعد.
أما على الجانب المسيحي، فقد تحوّلت المسألة الى قضية ميثاقية قدّمت للمعترضين على طبق من فضة، سمحت لهم بأن يمارسوا ضغطهم على المتحمّسين لجلسة التشريعية لا تراعي متطلبات الفريق المسيحي وتجعل منهم «شركاء ملحقين»، كما يقولون، فرفعوا من منسوب ضغطهم من باب إحراجهم عبر المطالبة بإدراج بند قانون الانتخابات، ولو انتهى هذا الكباش الى الاكتفاء بتسجيل نقطة أمام الجمهور المسيحي.
وبالأساس فإنّ الجنرال ميشال عون ليس من المصفّقين لهذه الجلسة، ولا يعنيه أن يخرج الرئيس بري من هذه الجولة منتصراً. ولهذا يمارس غنجه ودلاله للضغط على ممانعي تحريك مياه قانون الانتخابات، أي الفريق «الأزرق». فيما نجح «إعلان النوايا»، الصامد حتى الآن بوجه التحديات التي تواجهه، في إبقاء يديْ «القوات» بيديْ «العونيين» ورفع مطلب قانون الانتخابات بشكل مشترك كشرط لمشاركتهما بأي جلسة تشريعية، ليكون سيّد جدول الأعمال.
بالنتيجة، تحوّل التهويل بتجاوز الميثاقية، إذا كانت تعطيلية كما يرى الرئيس بري، من ورقة رابحة بيد المتحمّسين للجلسة، الى ورقة ضغط بيد الآخرين، بعد دخول البطريرك الماروني بشارة الراعي الى الحلبة، ليقف في صفّ المواجهة لهذا التجاوز، تحت عنوان رفض التشريع الفضفاض في زمن الشغور، ما يعني رفع الغطاء المسيحي عن أي جلسة قد يغيب عنها الثلاثيّ الممانع لها.
هكذا، حوّل المسيحيون المسألة الى قضية احترام الشراكة فعلاً لا قولاً، بعد الشكوى من تعاطٍ فوقيّ يطالهم كلما بدوا منفردين في مطلبهم، ليواجهوا كل مرة «تحالفاً رباعياً» يهمّشهم ويهمّش رأيهم. بالنسبة لهؤلاء إنّ التهويل بتجاوز الميثاقية ليس في محله وليس عادلاً. يسحبون التجارب السابقة من جيوبهم حين كان يُقفل مجلس النوب بالشمع الأحمر تحت عنوان الميثاقية من دون أن يُهدّد رئيس المجلس بفتحه، ليردّوا على منتقديهم بالقول إنّ الميثاقية لا تكون بسمنة حيناً وبزيت حيناً آخر.
بالتفصيل أكثر، تبيّن أن الممانعين رفعوا من سقف اعتراضهم بعدما ثبت لهم أنّ ثمة اتفاقاً مسبقاً جرى بين الرئيس بري و «تيار المستقبل» على جدول أعمال الجلسة وحتى على الاقتراحات التي ستُقرّ، ليؤكدوا أنّ اجتماعات هيئة المكتب ليست سوى فولكلور إعلامي لا يقدّم ولا يؤخر.
عملياً، لم تعُد المسألة بالنسبة للمعترضين، مرتبطة بقانون الانتخابات أو بمصيره ولا بقانون استعادة الجنسية وتفرّعاته، لا بل بمفهوم الشراكة وكيفية اتخاذ القرار. ولهذا قرّروا خوض هذا الكباش لحين الوقوف على الحافة.
هكذا، تحرّكت الاتصالات خلال الساعات الأخيرة بحثاً عن مخرج يُرضي الجميع، بغية حصول الجلسة بغطاء سياسي توافقي يحترم الميثاقية ويعيد الحياة الى جسد البرلمان.
ويبدو أنّ الاتصالات تحصل على أكثر من مستوى:
الأول، الانفتاح على مناقشة اقتراح قانون استعادة الجنسية في ضوء الملاحظات التي يسجلها «تيار المستقبل» والتي دفعت به إلى التلويح باقتراح منح الأم اللبنانية الجنسية لأبنائها، بغية تطويق الاقتراح الأول.
الثاني، الانفتاح على مناقشة جدول أعمال الجلسة من دون الإضرار بالقوانين المالية التي تتّسم بالضرورة.
الثالث، إقناع الرئيس بري بتسطير وعد لتخصيص جلسة تشريعية أخرى لمناقشة قانون الانتخابات، وعلى جدول أعمالها أبرز الاقتراحات المقدّمة.