من غير المفهوم لماذا يذهب الفرقاء اللبنانيّون في عمليّة التناحر السياسي إلى حافّة الانتحار ويمعنون في حزّ عنق لبنان بالسّكين، فرقاء كلّ منهم متمسّكٌ برأيه السياسيّ مهما كان الثّمن الذي ستدفعه البلاد، فبعد الحديث لطويل عن الدعوة لانتحابات نيابيّة مبكرة تفاجأ اللبنانيّون بتوافق ضدّين سياسيّين بالحديث عن الذّهاب إلى الاستقالة من المجلس النيابي لإفقاده ميثاقيته وهكذا تتمّ عمليّة فرض الانتخابات لأنّ المجلس فقد التمثيل المسيحي!!
دفع لبنان غالياً ثمن «حقوق المسيحيين»، من الغريب كيف يُراهن الفريقين اللذيْن يراهنان على فرض الانتخابات بقوة الميثاقيّة المفقودة، خصوصاً مع الواقع المزري الذي يعيشه اللبنانيّون وواقع الإفلاس الذي تعيشه الدولة، ومن أين سيأتي تمويل هذه الإنتخابات الموعودة فيما النّاس تموت من الجوع، ثمّ ما الذي ستغيّره الإنتخابات الموعودة سوى أنها ستعيد إنتاج نفس الطبقة السياسيّة بوجود سلاح الدويلة الذي يسيطر على الدّولة، حقيقة عجيب أمر المسيحيّون في لبنان ينتحرون ثم يتّهمون الفرقاء الآخرين بنحرهم، أيّ إنتخابات وفي أي توقيت وأيّ ميثاقيّة؟ وهل المسيحيّون وحدهم مصدر الميثاقيّة في البلاد، وكأنّ الطوائف الأخرى لا تملك هذه الميثاقيّة ولا تملك القدرة على التعطيل؟ وكأنّ مراهنة فريقيْ الاستقالة اللدوديْن ـ التي لا تُصدّق وتخرج العاقل عن طوره ـ مضمونة بموافقة الطوائف الأخرى على رغبتهم، ثمّ أليْس في المجلس مسيحيّون غيرهم وهم يملكون نفس ميثاقيّة التمثيل؟ ومن قال مثلاً أنّ طائفتيْ السُنّة والدّروز سيقبلان بانتخابات بنفس قانون انتخابات العام 2018؟ كلّ الطوائف تملك صفة الميثاقيّة، وقد نفهم لعبة التيار الوطني الحرّ في الذهاب إلى الاستقالة من المجلس لأننا أمام فريق سياسي يحترف سياسة التدمير والانتحار، وتجربة العاميْن 1989 و1990 شاهدتيْن على هذه السياسة، عام 1989 رفع الجنرال ميشال عون شعار تحرير لبنان من الاحتلال السوري وانتهى الأمر باحتلال الجيش السوري لبنان كلّه!!
لا أريد أن أصدّق أنّ «القوات اللبنانيّة» بعد تجربة اتفاق معراب تأمن جانب التيّار العوني فتحقّق مأربه وإن اختلفت أسبابهما، وما لا أفهمه كمواطنة ما هي المكاسب التي ـإن سلّمنا جدلاً بعجيبة إجراء إنتخابات- ستحققها «القوات» من هكذا إنتخابات في هكذا ظروف تعيسة وهل تعتبر زيادة بضعة نوّاب إنجازاً يُنقذ لبنان من إنهياره؟! في الأولويات اللبنانيّة يأتي إنقاذ لبنان واللبنانيّين من حالة الذلّ والهوان التي أوصلهم إليها العهد العوني الذي كان اتفاق معراب لاعباً أسياسيّاً في إيصاله إلى قصر بعبدا وبقدر ما صفّقنا للاتفاق واعتبرناه تاريخيّاً بقدر ما نعضّ أصابعنا ندماً لأنّنا ضيّعنا الجمهورية، ونجد أنفسنا أمام عهد يكرّر تجربته مجدداً مع تعديل في العنوان «يا جبران رئيساً للبنان يا ما في لبنان»، هذه المرّة «التالتة ثابتة»، وليس لدى رئيس التيار الوطني الحرّ ما يخسره هذه المرّة باستقالة كتلته من المجلس النيابي فهو يغامر من كيس البلد وليس من كيسه!!
في بلد كيفما توجّهت فيه تمتدّ أمام ناظريْك طوابير الذلّ أمام محطّات البنزين، الحديث عن انتخابات نيابيّة أمر مضحك، والحديث عن الميثاقيّة المسيحيّة لا يطعم خبزاً لأنّه لا يمتلك ترسانة صواريخ كالميثاقيّة الشيعيّة التي كرّست ميثاقيتها بـ 7 أيار ، والميثاقيّة السُنيّة خرقها سُنّي واحد عيّنه حزب الله والميثاقيّة الدرزيّة تلحق بوليد جنبلاط وتكويعات التي تميل حيث مصلحة الطائفة، لا ميثاقيّة في لبنان إلا ميثاقيّة السلاح، والاستقالة من المجلس النيابي كالاستقالة من الحكومة لن تقدّم ولا تؤخّر في زمن البحث عن اللقمة في زمن الجوع.
* أدين باعتذار لقرّاء الهامش الذي غاب بسبب وعكة صحيّة.