عندما اعتُقل سمير جعجع في 21 نيسان 1994 لم يكن المقصود سجن شخصه فحسب، وإنما كان الهدف سجن مشروع سياسي يمثله رئيس حزب «القوات اللبنانية» وينادي به ويسعى الى تنفيذه.
وقبل أحد عشر عاماً، في 26 تموز 2005، عندما أطلق سمير جعجع بموجب قانون للعفو العام صادر عن مجلس النواب اللبناني بعد ثورة الأرز على أثر خروج الجيش السوري من لبنان، لم يكن الهدف إطلاق شخص سمير جعجع من السجن الإنفرادي وحسب وإنما كان الهدف إعادة بناء الدولة اللبنانية من خلال «تحرير» مشروع سياسي مسيحي ومقاربة مسيحية للوضع في لبنان غُيِّبت عن مواقع القرار منذ العام 1990.
وكان من المفترض أن يشكل خروج جعجع من السجن بعد عودة العماد ميشال عون من المنفى خروجاً لـ»المشروع السياسي المسيحي» من السجن وعودة لهذا المشروع من المنفى.
غير أنّ تطوّرات السنوات الإحدى عشرة الماضية أظهرت أنّ الهدف السياسي من إنهاء سجن جعجع ونفي عون لم يتحقق بدليل أنّ الشكوى السياسية للمسيحيين هذه الايام لا تزال على ما كانت عليه منذ ما بعد اتفاق الطائف لا سيما لناحية التمثيل النيابي والحكومي والرئاسي على الرغم من رفع الوصاية العسكرية والأمنية والسياسية والإقتصادية السورية عن لبنان ومؤسساته الدستورية والسياسية والحزبية كافة.
إنّ هذا الواقع يدفع بالبعض الى القول بأنّ استمرار شكوى المسيحيين من عدم صحّة تمثيلهم وبالتالي من عدم الأخذ برؤيتهم لدور لبنان وموقعه على الرغم من خروج الجيش السوري من لبنان ورفع يد «عنجر» عن القرار اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً يُثبت أنّ مشكلة المسيحيين لم تكن في السياسة التي اعتمدها السوريون في لبنان، وإنما في مكانٍ آخر.
قد يكون في هذا القول شيء من الصحّة، ليس من باب تبرئة السياسة السورية في لبنان وهي بطبيعة الحال مسؤولة عن الكثير ممّا أصاب لبنان ولا يزال يصيبه من مآسٍ وعثرات، وإنما من باب النظرة الشاملة الى المشكلة في حال أردنا إيجاد الحلول الصحيحة والمعالجات الناجعة لما نعيشه من مشكلات.
فما يشكو منه المسيحيون في لبنان قد يكون في ظاهره مشكلة تمثيل وحضور سياسي وتوازنات اجتماعية وديموغرافية ومؤسساتية، ولكنه في الجوهر مشكلة بنيوية – كيانية على علاقة بوجود الدولة وحضورها ودورها في إدارة الحياة العامة.
من هنا فإنّ مسؤولية سوريا التي وضعت يدها على لبنان لعقود من الزمن بين الـ 1976 والـ2005 «ولا تزال ملائكتها حاضرة» كما قال الدكتور سمير جعجع بالأمس، تكمن في عدم احترامها للكيان اللبناني ونظامه السياسي ودستوره وقوانينه وتوازناته، وفي تعاطيها معه ككيان «مصطنع» أو ككيان «ملحق» بجغرافيتها واستراتيجياتها وسياساتها وتسوياتها وصفقاتها المحلّية والإقليمية والدولية على حدٍّ سواء.
وعلى الرغم من الخروج العسكري والأمني السوري من لبنان، ومن تراجع التأثير السياسي للنظام السوري على دورة الحياة السياسية في لبنان، فإنّ شكوى المسيحيين من تغييب الدور والتمثيل الصحيح لا تزال على ما كانت عليه في ظلّ الوصاية السورية. والسبب في ذلك عائد الى أنّ هناك مَن خلف سوريا في إلحاق الكيان اللبناني باستراتيجيات وسياسات وصفقات إقليمية ودولية من خلال الدور الذي يلعبه «حزب الله» لمصلحة إيران.
إنّ هذا الواقع، يُثبت أنّ دور المسيحيين في لبنان وفاعلية حضورهم في الحياة العامة وصحّة تمثيلهم الحقيقي يتعدّى حجم المواقع النيابية والوزارية والرئاسية التي يشغلونها، ويتعدّى الدورة الطبيعية للعمل الحزبي التقليدي على أهمية هذه العوامل، ويرتبط بحضور الدولة وعمل مؤسساتها بحسب النظام السياسي المعبّر عنه بالدستور وأحكامه، وسيادتها على أراضيها من خلال قواها الشرعية حصراً.
لذلك، فإنّ المعالجة الحقيقية والفعلية لشكوى المسيحيين من التهميش تكمن في استعادة الدولة ومؤسساتها قوّتها المفقودة والمصادَرة. فلا يمكن للمسيحيين أن يعبّروا عن تطلّعاتهم وعن مشروعهم السياسي إلّا من خلال مفهوم كياني – دولتي هو توأم وجودهم وحضورهم ودورهم الفاعل. بدون هذا المفهوم يشعرون باليتم السياسي والتهميش مهما كانت نسب تمثيلهم السياسي وقوة أحزابهم.
* عضو الأمانة العامة لقوى 14 آذار