IMLebanon

المقعَد المسيحي «المُعقَّد» طرابلسياً

في ضوء ما برَز من تطوّرات على الساحة السياسية، رئاسيّاً كان أم حكومياً، والاستنهاض الملحوظ للتيّار الأزرق شمالاً بعد الدفع المعنوي الذي لفَحه جرّاء عودة زعيمه الرئيس سعد الحريري المدوّية إلى القصر الحكومي. تعود إلى الواجهة المعارك الانتخابية، خصوصاً إذا ما قرّرَت وزارة الداخلية إجراءَ الانتخابات الفرعية في طرابلس وكسروان.

مِن المتوقع أن تقرّر وزارة الداخلية في الأيام المقبلة إجراءَ الانتخابات الفرعية لملء المقعدين الشاغرَين في قضاءَي كسروان وطرابلس، بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، وقبولِ استقالة النائب روبير فاضل، إذا لم تحصل أيّ مفاجآت.

إنتخابات كسروان قد تكون محسومةً لصالح مرشح «التيار الوطني الحرّ»، إنّما انتخابات طرابلس فستكون تحت الضوء والمجهر لأنّنا أمام مشهدين مثيرين للجدل طرابلسيّاً، ومِن الجدير مراقبتُهما.

المشهد الأوّل هو فوز الوزير المستقيل اللواء أشرف ريفي ببلدية طرابلس، فيما المشهد الثاني كان ترحيب شعبي واسع وملفِت شمالاً لعودة الحريري إلى الساحة الحكومية من بابها العريض، ووفقَ هذين المشهدين سيحرَص الحريري على خوض معركة الانتخابات الفرعية في طرابلس شخصيّاً، وفق المراقبين، للأسباب الآتية:

أوّلاً: إثبات قدرته على التغيير وتثبيتُ قوّته، خصوصاً في طرابلس.

ثانياً: ردّ اعتبارِ قوّة «التيّار الأزرق» بعد النكسة التي منيَ بها في الانتخابات البلدية.

ثالثاً: محاولة الاحتفاظ بالمقعد المسيحي لصالح كتلة «المستقبل»، بعدما كثرَ الحديث عن محاولة «التيّار الوطني الحر» ضمَّه إليه تحت شعار الميثاقية واستعادة النواب المسيحيين.

وفي هذا السياق، تبرز قوى عدة مؤثّرة في مسار الانتخابات في عاصمة الشمال، إضافةً إلى قوّة تيار «المستقبل»، وتتمثّل بالرئيس نجيب ميقاتي وقدرتِه التجييريّة، إذ يهمّه اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى أن يوسّع كتلة «التضامن الطرابلسي» التي تضمّ النائب أحمد كرامي، لا سيّما بعد الإنتكاسة في الانتخابات البلدية، ولذلك سيحرَص ميقاتي على الاستفادة من صوت إضافي في مجلس النواب لتمرير الاستحقاقات المقبلة، مِثل قانون الانتخاب، خصوصاً بعد التسوية الرئاسية والحكومية التي استبعدَته عن الساحة السياسية.

ويبرز أيضاً على الساحة الطرابلسية النائب محمد الصفدي الذي أيَّد التسوية الرئاسية، عكسَ ميقاتي، إضافةً إلى قوّة التجيير العلوية وشخصيات طرابلسية لها حضورُها.

مِن جهته، يحاول تيّار «المردة» فرضَ مرشّحٍ مسيحي لصالحه استناداً إلى عاملَين؛ أوّلهما رصيده المسيحي الشعبي في طرابلس الذي سانَده في جميع المحطات السياسية، لا سيّما في مدينة الميناء فحصَد مقعدين في بلديتها، وثانيهما ما يُعتبر دَيناً لفرنجية في رقبة تيار «المستقبل» قد يَفيه الأخيرعبر مساندةِ مرشّحِه.

ويترقّب الطرابلسيون هوية المرشّح الذي سيدعمه ريفي في الانتخابات الفرعية، علماً أنّه بحاجة إلى إعادة تثبيتِ مكانته وقوّتِه في ضوء ما يُشاع عن انتهاء دوره بعد سطوع نجم الحريري مجدّداً في العهد الجديد.

إلّا أنّ تعقيدات وتأويلات الانتخابات الفرعية في أزقّة طرابلس وصالوناتها كثيرة وتَطرح أسئلة تبقى إجاباتُها مجهولة، ومِن أبرزها:

1- هل يتنازل الحريري لفرنجية عن المقعد المسيحي الذي انضوى تحت عباءة تيّار «المستقبل» منذ أكثر من سبع سنوات لكسرِ المَثل الشائع «ليس محبّةً بعلي إنّما نكايةً بعمر» أم يُعدّل الحريري بالمَثل الشعبي ليصبح « محبّة بعلي ونكايةً بعُمَر؟! عن هذا السؤال يجيب أحد أنصار الحريري بالقول: «إنّ الذي صاغ تسويةً رئاسية مع خصمِه سيتنازل بالتأكيد عن مقعد نيابي لصديقه».

2- هل ستتمكّن القوى المسيحية غير المؤيّدة لدعم حلفائها السنّة مرشّحَ فرنجية، من إيصال مرشّح آخر يدعمونه على خلفية أحقّية القرار والاختيار المسيحي دون الاستعانة بدعم الأصوات السنّية؟

3- هل سيتحالف «التيّار الوطني الحر» مع ريفي الذي هو أمام معضلة صعبة تضعه أمام ضِيق الخيارات لمنعِ وصول مرشّح فرنجية المدعوم افتراضيّاً من الحريري، وهل سيقبل ريفي بالتحالف مع خصمه القديم لمنعِ وصول مرشّح خصمِه الجديد؟

4- هل ستَستعين «القوات اللبنانية» بأنصار ريفي لمنعِ وصول مرشّح فرنجية في وقتٍ تَكثر الأقاويل عن تراجع العلاقة بين الاثنين بعد تبنّي جعحع عون رئيساً؟

5- ماذا عن التحالف الجديد الناشئ بين «التيار الوطني الحرّ» وتيار «المستقبل»، وما موقفُ «القوات» و»التيار» من الانتخابات، خصوصاً أنّهما يَحظيان بقاعدة شعبية في طرابلس، وهل سيُعلنان دعم مرشّح معيّن؟ وهل سيَدعم «المستقبل» مرشّحاً مسيحياً لا ترضى عنه القوّتان المسيحيتان الأقويان؟

أسئلةٌ كثيرة ومعقّدة تلفّ مجريات الانتخابات الفرعية في طرابلس في حال حصولِها، في وقتٍ تتسابق أسماء المرشّحين في بورصة التداول. إشارة إلى أنّ عدد الناخبين في طرابلس يبلغ ما يقارب 130 ألف ناخب سنّي و7 آلاف مسيحي و15 ألف علوي، يتوزّعون بين طرابلس والميناء فقط، أمّا إذا أضَفنا بلدةَ القلمون والبدّاوي فيصلُ رقم الناخبين إلى حوالي 200 ألف.

والمرجّح أن تكون نسبة الاقتراع، إذا ما قورنَت بالانتخابات الماضية، حوالي 25 في المئة، أي أنّ نسبة الاقتراع المسيحي ستنخفض تلقائيّاً أيضاً… وبالتالي فإنّ الأصوات المسيحية لن تعود هي المؤثّرة أو الفاصلة في إيصال المرشّح المسيحي.

مع التذكير بأنّه جرت العادة في انتخابات المقعد المسيحي في طرابلس بالرجوع إلى رأي الفاعليات الروحية التي يبقى لها وحدَها الفصلُ في مباركة اسم المرشّح المسيحي بغَضّ النظر إذا وصَل بصوت المسيحيين أم لم يصِل.