الــراعي يُــواصل طروحاتـه بهدف تشكـيل الحكومة وإنـقاذ الشعب لكيلا يذهـب لبنان فرق عملة
تُشكّل الضغوطات الخارجية عائقاً أمام ولادة الحكومة المنتظرة، وتنعكس هذه الأخيرة على التوافق الداخلي ما يحول دون تشكيل أي حكومة في وقت قريب، حتى ما بعد 20 كانون الثاني الجاري وانتقال السلطة في الولايات المتحدة من الرئيس دونالد ترامب الى الرئيس المنتخب جو بايدن، رغم صعوبة الوضع الإقتصادي والنقدي السيىء الذي تعيشه البلاد وضرورة العمل على انتشاله من القعر. فشروط الإدارة الأميركية واضحة وقد ترجمتها في العقوبات التي فرضتها على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، وعلى رئيس «التيّار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل … فهي لا تريد وجود حزب الله داخل الحكومة، وكحدّ أقصى تقبل وجوداً «مهمّشاً» له، فيما إيران تصرّ على تشكيل حكومة على قياسها شبيهة بتلك التي كانت قبل حكومة الرئيس حسّان دياب، يكون دور الحزب فيها بارزاً…
أمّا الرئيس المكلّف سعد الحريري فتؤيّد الدول العربية عودته الى السراي الحكومي ضمن الشروط الغربية، على ما تقول أوساط ديبلوماسية مطّلعة، ولا تُطالبه هذه الأخيرة بالتالي بالتضحية لمصلحة حزب الله و«التيّار الوطني الحرّ». فيما فريق العهد يريد رؤية شخص آخر في رئاسة الحكومة غير الحريري كونه أعلن أنّ «التسوية الرئاسية» التي أوصلت عون الى قصر بعبدا، وأوصلته هو الى السراي الحكومي منذ أكثر من 4 سنوات لا يُمكن أن تعود الى سابق عهدها، ولا بدّ من تسوية أخرى، أو توافق جديد.
ولأنّ حكومة الحريري الموعودة هي التي ستحكم البلد بعد انتهاء عهد عون، على ما يتوقّع المراقبون، مع عدم إمكان إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، وكذلك الإنتخابات الرئاسية بعدها في العام 2022، لهذا يُصار الى تأخير تشكيل الحكومة بدلاً من التوافق السريع على تشكيلها.. فهذه الأخيرة لن تكون «حكومة المهمّة» الإنقاذية التي يُفترض أن تقوم بمهامها لستة أشهر فقط، بل سيطول حكمها الى أكثر من سنتين ولهذا يتوانى الحريري في تأليفها لكي يتمكّن من الحكم بعد ذلك من خلالها.
وتقول الأوساط نفسها انّ كلّ فريق لا يزال يقوم بحساباته الشخصية المستقبلية، لهذا تراوح الأمور مكانها من دون الأخذ بالإعتبار وصول الشعب اللبناني الى مرحلة الإختناق الفعلي على جميع الصعد. يُضاف الى ذلك عدم وجود أي تضامن مسيحي بين الأطراف السياسية البارزة التي يقوم كلّ منها بحسابات رئاسة الجمهورية المقبلة ويطمح من خلال علاقاته الخارجية الى الوصول الى سدّة الرئاسة، وهذا الكباش السياسي يجعل الأمور تسوء أكثر فأكثر.
وأوضحت الاوساط انّ وصول الأمور الى الحائط المسدود، هو الذي جعل الرئيس عون يُطالب المجلس الدستوري بتفسير الدستور، ويردّ عليه رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي بأنّ التفسير يدخل ضمن عمل المجلس النيابي. فيما طرح تعديل الدستور بهدف تحديد المهل وعدم الوصول الى التعطيل أو الفراغ، مثل تحديد فترة معيّنة للتكليف، وتحديد أخرى لحكومة تصريف الأعمال غير المنتجة، فلا بدّ من البحث فيها لتقصير فترات إضاعة الوقت من دون أي إنتاجية أو معالجة الأزمات والملفّات الملحّة.
في الوقت نفسه، إنّ اقتراح الحياد الناشط الذي طرحه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ويتمسّك به، يأتي ضمن هذا السياق، بهدف تحريك مسار تأليف الحكومة وولادتها وبدء عملها لإنقاذ لبنان من أزماته. فالحياد يجعل محاولات التسوية الإقليمية والدولية لا تأتي على حساب لبنان، ولا تدعه يكون قطعة جبن «تتناتشه» هذه الدول أو تلك. وعملية الإنقاذ التي لم تعد تحتمل التأجيل سيما أنّ الشعب يُعاني على جميع المستويّات، هي التي تجعل البطريرك يتمسّك بمحاولاته وبمبادراته المتواصلة.
أمّا دعوة الراعي عون والحريري للقاء مصارحة ومصالحة، فلأنّ الأمور بين الرجلين، على ما أكّد العارفون، وصلت الى وضع مأزوم جدّاً يتخطّى عدد الحقائب الوزارية للمسيحيين ومن يُسمّي هؤلاء، ويتطلّب مصالحة فعلية لأنّ عدم الثقة لا يخدم المصلحة الوطنية بل المصالح الخارجية. كما يؤدّي في نهاية المطاف الى ذهاب لبنان فرق عملة في التسويات الإقليمية والدولية المقبلة كون لا حكومة فعلية فيه قادرة على إدارة شؤونه وإنقاذه من أزماته.
ولهذا يقول المراقبون إنّ البطريرك الراعي لن يوقف طروحاته ومحاولاته لأنّ الوضع الداخلي المنهار يتطلّب التحرّك من قبل الجميع وبذل الجهود بهدف تحريك عملية التأليف المجمّدة، إن بسبب فقدان الثقة بين الفريق الرئاسي والحريري، أو بسبب سفر هذا الأخير الدائم الى الخارج. ويتحدّثون عن أنّ الراعي يسعى ويأمل وصول مساعيه الى تشكيل حكومة الإنقاذ وأن تُحقّق هذه الأخيرة كلّ ما يريده الشعب اللبناني.