التوطين يتسلّل عبر «صفقة القرن» واستغلال الوضع المالي هدف أميركي أوّل
يبدو ان «صفقة القرن» الاميركية – «الاسرائيلية» باتت اليوم على نار حامية، من ناحية تنفيذ اهدافها لتغيير خارطة المنطقة، فيما هي في العلن تزعم من خلال الرئيس الاميركي دونالد ترامب حل ما أسماه النزاع «الإسرائيلي» – الفلسطيني الطويل والممتد منذ العام 1948، لكن ومنذ ما يقارب السنة ونصف السنة من التخطيط للصفقة المذكورة، ظهرت بدقة اليوم تفاصيلها وكواليسها وترتيباتها التي وُضعت من طرف واحد، بمعنى انها ستكون على حساب ذلك الطرف، فيما تداعياتها ستصل الى اكثر من دولة، وفي طليعتهم لبنان، في ظل رفض عربي خجول على الصعيد الرسمي، لكن الرفض الحقيقي يتمحور في ساحات الشعوب العربية فقط لا غير.
وعلى الصعيد اللبناني، وهذا هو الاهم، برز رفض مطلق رسمي وشعبي لتلك الصفقة، فتعالت الدعوات لتحصين الوضع الداخلي، والصف الواحد الرافض لأولى التداعيات اي التوطين، لان لبنان يُعتبر الحلقة الأضعف في المنطقة من ناحية شربه لكأس التوطين، بحسب ما ترى مصادر سياسية مسيحية، خصوصاً في ظل الازمات الاقتصادية والمالية التي يعاني منها لبنان، ومن هنا الوحدة مطلوبة للتصدّي لكل المؤامرات التي تحاك وتحضّر ضد البلد، خصوصاً ان التسويات تلعب الدور الابرز في كل الصفقات السياسية، فكيف في هذه الصفقة التي لم تحمل رضى الطرفين المعنيين بها؟مذكّرة بالتسويات التي مرّت منذ عقود في اطار الإحتلال الفلسطيني – الاسرائيلي، كإتفاقية كامب ديفيد التي اعادت لمصر ارضها المحتلة، واتفاقية أوسلو التي انتجت سلطة ذاتية موقتة للفلسطينيّين، فيما اليوم تبدو هذه التسوية كعنوانها اي صفقة، والصفقة تعني الشروط وعمليات البيع والشراء والى ما هنالك من عبارات غير ديبلوماسية في عالم السياسة.
الى ذلك، رأت المصادر المسيحية بأن الرئيس الاميركي يبحث عن انجاز مهم يعتبره حلاً للصراع في المنطقة، لان الانتخابات الرئاسية تقترب وستجري في تشرين الثاني المقبل، وهنالك مخطط سنتحمّل تأثيراته نحن كلبنانيّين، لان إستغلال وضعنا المالي المنهار سيكون هدفاً اول، اي سنحصل على المساعدات والاموال والاستثمارات العربية والغربية فيه، مقابل توطين نصف مليون لاجئ فلسطيني مقيمٍ في لبنان حالياً، كشرط «إسرائيلي» لإتمام الصفقة، وهذا يعني التغيّير الديموغرافي والخلل في التوازن الطائفي، وفي حال لم يوافق لبنان فسوف تفرض اميركا المزيد من العقوبات بحسب ما ألمح ترامب، مما يعني تدهور الوضع الاقتصادي اكثر فأكثر، اي انهم سيُحاربوننا باليد التي تؤلمنا، فيما المطلوب التفهّم الدولي لطبيعة التركيبة اللبنانية. معتبرة بأن الرهان كبير اليوم على الموقف الاوروبي، وخصوصاً فرنسا التي تقف الى جانب لبنان في هذا الاطار، وتعلم بأن التوطين سيؤدي الى ضرب التوازن المسيحي – الاسلامي.
وآملت المصادر المذكورة بأن يبدأ لبنان بإطلاق الحملات دولياً، رفضاً لتداعيات هذه الصفقة عليه بهدف الحفاظ على الصيغة اللبنانية، وبالتالي شرح مخاطر التوطين، والتمسّك بالمبادرة العربية للسلام التي انعقدت في بيروت في العام 2002، والتي اكدت على حق عودة الفلسطينيين الى أرضهم وقيام دولتهم المستقلة.
وعن إمكانية توحيد كل اللبنانيّين إزاء هذه المشكلة، رأت بأن التوطين بكل اشكاله وتنوّعه يخيف اكثرية اللبنانيين لكن بصورة خاصة المسيحيين، والدليل انه يقوم دائماً بتوحيد مواقفهم الرافضة له، وهذا ما شهدناه دائماً على منبر ساحة النجمة اذ كان هذا الملف يجمع الاحزاب المسيحية دائماً، اذ أكدوا دائماً على رفضهم بحث أي اقتراح في هذا الاطار، لان لبنان ليس المسؤول الوحيد عن معاناة الشعب الفلسطيني على مدى عقود من الزمن، فهنالك الدول العربية التي كان همّها الوحيد رفع المسؤولية عنها ووضع لبنان في عين العاصفة، من دون ان ننسى المتاعب اللبنانية من مختلف الجوانب وتأثيرها عليه والتي تحمّلها بمفرده.