اثار كلام رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع على تفاهم استراتيجي مع “التيار الوطني الحر” استغراب قيادات مسيحية حزبية ومستقلة، بعضهم من حلفاء جعجع وبعضهم الآخر ممن يترقبون بصبر خلاصة هذه اللقاءات والحوارات بين “التيار” و”القوات”، وما اذا كانت ستؤدي الى فك عقدة الفراغ في رئاسة الجمهورية والآثار السلبية الاستراتيجية الناجمة عنها مسيحياً والتي لا يمكنها الانتظار.
في كلام القيادات المسيحية الحزبية المتحالفة مع “القوات” مبدئياً، أن الحوار بين المسيحيين بهدف الوصول الى وحدة في الرؤية هو شرط اساسي ومهمة استراتيجية بكل المقاييس، ولا بد منها من أجل أعادة التوازن الى المعادلة الميثاقية في لبنان، لكن على فريقي في “التيار” و”القوات” أن ادراك أن الزمن ليس للترف السياسي وتمضية الوقت في مفاوضات وحوار طويل الى ما شاء الله. والرأي لدى المسيحيين الحزبيين أن كل حوار داخلي بين المسيحيين لا يبدأ وينتهي بوضع آلية عمل تؤمن انتخاب رئيس هو “تخبيص خارج الصحن” ومضيعة للوقت، ذلك ان جميع المسيحيين سواء أكانوا مقيمين أم مغتربين، حزبيين أم مستقلين، لا يختلفون على العناوين التي تتناولها الصحف حالياً من اتفاق الطائف الى ضرورة احترام المناصفة والمشاركة وصولاً الى قانون الانتخاب ومشروع قانون استعادة الجنسية واللامركزية وغيرها من “البديهيات” في العقل السياسي المسيحي والتي تكاد أن تصبح موضع اجماع بين كل اللبنانيين. لكن كل ذلك لا يمس جوهر المشكلة، المتمثل في موضوع فراغ رئاسة الجمهورية الذي يشكل التعامل معه مفتاح الحلول لكل القضايا.
ولا تقف الملاحظات عند هذا الحد، بل إن ثمة كلاماً كثيراً على الجدوى من تكرار تجربة 1990 في الثنائية المسيحية والتي أدت الى ما أدت أليه، وخصوصاً الغاء دور القوى والاحزاب المسيحية الاخرى، في حين يفترض مبدئياً أن زمن “حروب الالغاء” قد ولى بين المسيحيين الى غير رجعة، مع التذكير بكل النتائج السلبية التي أدى اليها، وابرزها التقاتل بين المسيحيين وهجرة عشرات الآلاف منهم وانحسار الحضور المسيحي وفرض تطبيق اتفاق الطائف بالقوة. وتشير القيادات الحزبية الى ان احداً لا يستطيع “اختزال” المسيحيين بحزبين، وخصوصاً ان نتائج استطلاعات الرأي تشير الى أن ثمة نسبة لا يستهان بها من المسيحيين خارج اصطفافات “التيار” و”القوات”، مع الاخذ في الاعتبار ان ما كان يصح العام 2005 ما عاد صحيحاً العام 2015. والدليل على ذلك الحركة الحزبية لكلا الحزبين في موازاة تقدم احزاب وقوى أخرى وارتفاع اعداد المستقلين بين المسيحيين وأنتشار الدعوات الى الابتعاد عن اصطفاف 8 و 14 آذار وآثاره السلبية على الحضور المسيحي في المعادلة الوطنية، وما يؤخذ على المسيحيين من غياب القيادات الفاعلة لديهم والتحاقها بركب السنية والشيعية السياسية.
الاساس في الملاحظات على كلمة الدكتور سمير جعجع، أن الاتفاق الاستراتيجي الذي أشار اليه يجب أن يعني الاتفاق على اعادة المسيحيين الى المعادلة الوطنية – السياسية، وضع حد للفراغ في كرسي رئاسة الجمهورية. وما لم يتم الاتفاق على معالجة هذا الأمر فإن كل كلام على الاستراتيجيا يبقى بدون مضمون فعلي ويصب في استراتيجيات القوى الاخرى غير المسيحية ويدخل في مجال “التكتيك”. أما كل العناوين الاخرى فليست الا تفاصيل أمام خسارة موقع الرئاسة الاولى وما يترتب عليه من فتح ملفات استراتيجية تتصل بالمثالثة وتقاسم السلطة والحضور المسيحي برمته.