تفهّم الشريكين السني والشيعي الفكرة السيادية يحفظ لبنان وسط الجحيم المحيط به
يعتبر قياديون مسيحيون ان ما يحرك الوجدان المسيحي – الماروني هو حصراً ما يحفظ سيادة البلد
لم يزل الموقف المسيحي العام، الأقرب الى تأييد بلا تحفظ، من حرب حزب الله في جرود عرسال، مدار لغط على المستويين السياسي والديبلوماسي، حتى قيل ان أحد القياديين المسيحيين تبلّغ استياء عاصمتين عربية وغربية من موقف أولي له، عاد وعدّله بما يتناسب مع موقف كل من العاصمتين من حزب الله.
تمحور مجمل ما أُخذ على الموقف المسيحي حول سبب تحيزه الى إسلام سياسي في مواجهة إسلام سياسي آخر، بمعنى آخر كيف للموارنة، حاضني الهوية والقضية والنواة السيادية للبنان والركن الأساس في ثورة استعادة ما فات من حرية وسيادة واستقلال في العام 2005، أن يؤيدوا حزب الله الشيعي وهو الذي يستظل شعاريه المقاومتي والجهادي لمشروع خارجي إيراني واضح المعالم والمرامي.
وفي ذهن منتقدي الموقف المسيحي أنه كان في استطاعة الموارنة على وجه التحديد الذهاب مذهب السنّة على سبيل المثال، الذين عارضوا حرب الجرود ولا يزالون يلتزمون موقف ربط النزاع مع «حزب الله» في كل ما يتصل بمشروعه. وكان في استطاعتهم أيضا وقوف موقف المتفرّج على كل هذه المعمعة، انطلاقا من أن كلا المشروعين الإسلاميين (حزب الله والمجموعات الأصولية والتكفيرية) يتناقضان تماما مع ما يؤمن به الموارنة، لا بل ان مشروع حزب الله أكثر خطورة بالمعنى الاستراتيجي على كيانية لبنان ونهائيته وحداثيته وعناصر تكوينه. بمعنى أن ظلامية المجموعات التكفيرية محدودة زمنيا، وهي تنتفي وتنتهي مع تقلّص حضورها – الآخذ أصلا في الزوال – في حين أن حزب الله كذراع إيرانية نقية الإنتماء والتبعية، مشروع طويل الأمد لن ينتهي إلا بانتهاء رافده.
يستغرب قياديون مسيحيون ممن رحبوا بالنتائج التي خلصت اليها حرب الجرود، هذه المقاربة التي بدأت محليا وانتشرت في المحيط العربي، وخصوصا على المستوى الإعلامي، حيث جرى تصوير الأمر على شاكلة أن المسيحيين يخافون من السنة – واستطرادا الجهادية السنية – أكثر من خوفهم من الشيعة – واستطرادا الجهادية الشيعية – لذلك هم انحازوا، ولا يزالون، الى خيار حزب الله، من منطلق أن هذا الخيار سيخلصهم من الجهادية السنية.
ويعتبر هؤلاء أن ما يحرّك الوجدان المسيحي – الماروني هو حصرا ما يحفظ سيادة البلد ويذود عن الفكرة – الكيان التي نشأ عليها منذ الإمارة حتى الجمهورية الأولى، وتاليا من غير الجائز رذل ما يقوم به حزب الله، إن في سياق الحرب الكبرى على الإرهاب، أو في سياق تثبيت معادلة الردع عند الحدود الجنوبية، لأن هذا المشروع المقاومتي يلقى احتضانا واسعا، لكن هذا الاحتضان لا ينسحب بالضرورة على المشروع السياسي- الجهادي – الديني للحزب بارتباطاته الإيرانية وبما يتوجب على هذه الارتباطات من التزامات فقهية وشرعية وحياتية.
ويرى هؤلاء القياديون أن هذا الواقع لا يلغي أن المسيحيين بتوجهاتهم الأساسية، أي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، نسجوا، كلّ من منطلقه السياسي ونظرته الى حزب الله، علاقة تحالف وتآزر وتعاضد مع الفريق السني الأقوى والأبرز، أي تيار المستقبل. وأثمرت هذه العلاقة مجموعة تفاهمات على امتداد الأعوام الإثني عشر الفائتة، آخرها تسوية انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وهذه التفاهمات تتجلى تحديدا في العلاقة السياسية بين التيار والمستقبل، وفي العلاقة الشخصية بين عون والرئيس سعد الحريري والتي أتاحت مجموعة من الإنجازات في النصف الأول من العهد الرئاسي، لم يستطع العهد الفائت، على سبيل المثال، تحقيق لو جزء منها. وتاليا يثبت ما تحقق الى الآن، اهمية أن يشعر الفريق المسيحي الوازن بأن الشريك يقر بحجمه وبأحقية أن يكون الحكم على قاعدة الشراكة المتوازنة، وهو ما كان غائبا في الأعوام الأخيرة نتيجة تآلف فريق التقليد السياسي الذي وضع يده على السلطة في أعقاب اتفاق الطائف، أولا بقوة الوجود السوري، ومن ثم بقوة من خلف السوري، بعد خروجه عقب انتفاضة الاستقلال!
ويخلص القياديون المسيحيون الى أهمية ان يتفهّم الشريك، سواء كان السني أم الشيعي، حقيقة تجذر لبنان في الوجدان المسيحي باعتباره الحاضنة الإستقلالية والسيادية الأكثر صلابة وسط عالم عربي وإسلامي يحوي بذور تفجره وتبعية مكوناته، ربطا بالفالق السني – الشيعي الآخذ في التوّسع نتيجة الصراع المذهبي، لأن وحده هذا التفهم يصلّب الفكرة السيادية ويحفظ لبنان وسط الجحيم المحيط به.