IMLebanon

«الترانسفير المسيحي»: ما دور السفارات؟

مخاوف كنسية من جهود غربية «لاقتلاعنا من الشرق»!

«الترانسفير المسيحي»: ما دور السفارات؟

تكاد مرجعيات مسيحية تفقد صبرها، من اصوات تقلب الوقائع وتنفي الحقائق، وتقلل من حجم ما يتهدد مسيحيي الشرق.

كأن المسيحيين في نعيم، تقول احدى المرجعيات، لم يُعدَم وجودهم وتاريخهم في العراق، ولم يصبحوا على شفير الذوبان التام في سوريا، وقبلها فلسطين، ولم يوضعوا على منصة الاستهداف والتنكيل في مصر وغيرها!

واقع مؤلم ومرعب، تصفه تلك المرجعية، واكثر ما يؤلمها ان بين تلك الاصوات، مسيحيين لبنانيين، لا مبرر لسلوكهم العدائي تجاه ابناء جلدتهم، سوى انهم «يسترضون بيت المال الراعي، لا بل الشريك في افتعال النزيف المسيحي».

يعلو الصوت في المجالس المسيحية والكنسية، حنقاً وغضباً على تلك الاصوات، وهناك شعور عارم تلخصه المرجعية المسيحية بقولها: «اصبحنا وحدنا، ينخرنا المرتَزِقون، ومتروكين لقدرنا. الفاتيكان مغلوب على امره يكتفي بالصلاة والتمنيات. والشريك المسلم عاجز امام تنامي ظاهرة متلبسي الدين، أولويته نفسه وشبه ساكت عما لحق ويلحق بالمسيحيين. واما الغرب، الصديق التاريخي للمسيحيين، فهو متآمر وشريك في اضعافهم وهدر دمهم واقتلاعهم من ارضهم وتشتيتهم».

اتهام الغرب بالتآمر ليس عبثيا، بل هو مسند الى «معلومات جديدة»، بلغت مرجعاً مسيحياً كبيراً، تكشف عن توجّه جدي لدى بعض الدوائر الغربية والاوروبية لتسريع وتيرة استيعاب مسيحيي الشرق في بعض الدول، وعن طريق لبنان.

خاف المرجع المذكور، واسرّ لمقربين «يحاولون ان يقولوا لنا لقد انتهيتم». خطورة المعلومات جعلته يتكتم عليها ويتعاطى معها بحذر شديد. لكن مضمونها تبدى في بعض الوقائع التي تنذر بالوصول فعلا الى مرحلة العد التنازلي لإنهاء الوجود المسيحي.

اخطر تلك الوقائع، كما لمس المرجع، جعل لبنان ممرا تهجيرياً لمسيحيي الشرق، وتحديداً مسيحيي العراق وسوريا الذين اصبحوا بأكثريتهم الساحقة في لبنان. وهذا ما تقوم به البعثات الغربية التي حضرت الى لبنان تحت عنوان انساني وجمعيات اهلية ومجتمع مدني ومنظمات انسانية لمساعدة المهجرين، التي تبين ان مهمتها انحصرت باقناعهم بالهجرة لقاء مغريات، وذلك بالتناغم مع سفارات غربية تبذل جهدا مكثفا لتسهيل هجرة هؤلاء وفي مهل قياسية، وضمن آلية تسهيلات تفضي الى تسفير اية عائلة خلال اقل من شهر بعد تقديم طلب الهجرة!

دافع تلك السفارات والبعثات ليس انسانياً، كما تبيّن للمرجع المسيحي، بل بدافع مصلحي غربي فقط، خلاصته ادخال المسيحي الشرقي ضمن آلية استبدال اليد العاملة بأخرى، ففي اوروبا والغرب بشكل عام، يجري الاعتماد عادة على يد عاملة «رخيصة» تستقدم من افريقيا الشمالية وافريقيا السوداء، وعلى مر السنوات صارت هذه اليد العاملة مصدر مشكلات دائم على اعتبار ان 90 % منها مسلمة، وقد زادت تلك المشكلات مع تفشي «الداعشية» ووصولها الى الغرب، وبالتالي هناك من يفكر بلا تردد بنقل هؤلاء المسيحيين الى اوروبا، فمن ناحية هم يد عاملة مستقرة ورخيصة، ومن ناحية ثانية هم مسيحيون لا يخشى منهم.

على ان الخوف من افراغ مسيحيي المشرق العربي، لا يعني ان مسيحيي لبنان سيكونون بمنأى عن هذا الامر، فإن تم الافراغ، يصبح مسيحيو لبنان وحدهم، وليس ما يمنع ان يأتي احد ما في زمن ما ويفكر باستفرادهم او اقتلاعهم. علما ان بعض الاصوات تذكّر بكيسنجر وعرضه تسفير المسيحيين خلال الحرب الاهلية في العام 1975!

هل يستطيع المسيحيون الصمود امام هذه الموجة؟

الموجة قوية جدا، كما يقول معنيون بالملف المسيحي، والمستويات الكنسية تتحرّك وتدق الناقوس، ولبنان الرسمي شارك عبر الوزير جبران باسيل في الاجتماع الدولي حول المسيحيين والاقليات في نيويورك الشهر الماضي، وقبله الحركة المكثفة لامين عام اللقاء المسيحي المشرقي حبيب افرام في بيروت والقاهرة وأوروبا وواشنطن مؤخرا، وصولا الى «التجمع الوطني المستقل» الذي يضم الوزراء السابقين: ناجي البستاني، بيار دكاش، الياس حنا، سليمان طرابلسي، جاك جوخادريان، عبدالله فرحات (امين عام)، السفير جوي ثابت، ايلي يشوعي والنقيب السابق للمحامين امل حداد. وقد اعد، وبالتناغم مع بكركي، وثيقة لرفعها الى مجلس الأمن تتضمن:

– مناشدة مجلس الامن العمل على وقف «الترانسفير»، ووقف انتقال المسيحيين المشرقيين الى العالم الغربي بشكل نهائي.

– مناشدة مجلس الامن السعي الى السلام والمصالحة في العالم العربي ووقف الصراعات العربية ـ العربية.

– اعتبار لبنان نموذجا لامكانية انخراط المسيحيين في التركيبة الوطنية السياسية والادارية لكل دولة عربية.

– الطلب الى الاطراف المسلمة في العالم العربي الاهتمام بالوضع المسيحي صيانة للتعددية وللدور المسيحي الثقافي والسياسي والفكري الذي لعبوه عبر التاريخ.

في رأي المعنيين بالملف المسيحي ان الكلام المثالي، وعلى اهميته، يبقى بلا اي قيمة امام لغة السكاكين التي يتم تداولها في العالم العربي، كما ان اي تحرك مسيحي افرادي لا يمكن ان يؤدي الى مكان، فالمسألة لتكون افعل تتطلب وقفة مسيحية موحدة وتحرّكا موحدا وشاملا، وليس بالمفرّق.