IMLebanon

التوبة والغفران ووحدة المسيحيّين

 

الزمنُ زمن صوم، ومن الإنجيل نستذكر مَثَل الإبن الشاطر أو الإبن الضال، وفيه أنّ هذا الإبن عاد إلى والده مستغفراً قائلاً له «يا أبي، أغفر لي فلقد خطئت إلى السماء وإليك»، فَغَفر له والده وذبح له العجل المُسَمّن.

 

إذاً التوبة الحقيقيّة النهائية هي شَرطُ المغفرة، ومن دون توبة لا غفران. كما في الدين هكذا في السياسة، إن لم يكن هناك توبة وعودة عن الخطيئة بشكل قطعي، يُصبِح الغفران بمثابة غباء أو استغباء للغافر. لا شكّ أنّ جميع متعاطي الشأن العام مُعَرَّضون للأخطاء وجُلّ من لا يُخطئ وكلّنا بشر.أمّا ارتكاب الخطايا فهو أمرٌ مختلف.

 

الخطأ هو أن تعتقد أنّ ما قرّرته وما تقوم به هو صحيحٌ وهو مفيدٌ لمجتمعك ولوطنك، إلّا أنّ النتيجة تأتي بِغَير ما اعتقدت، فيصبح لزاماً عليك أن تَتَّعِظ من تجاربك لكي لا تقع في المحظور مجدّداً فتؤذي بلدك وشعبك.

 

أمّا الخطيئة فهي أنْ تذهب بملء إرادتك وبكامل وَعيِك وإدراكك إلى خياراتٍ تعرف مُسبقاً أنّها تدميريّة لمن ائتُمِنتَ على حسن إدارة شؤونهم وعلى الحفاظ على تاريخهم وهويّتهم وانتمائهم ودورهم واقتصادهم وازدهارهم، لكنّك تأخذ هذه الخيارات التي تؤذيهم طَمَعاً بحفنة من السلطة والمواقع والمراكز والمكاسب الشخصيّة فيما شعبك ينحدر إلى أسفل درجات البؤس والعوز. وعندما نتكلم عن الوحدة المسيحيّة أو الحوار والتوافق المسيحيّ، يجب أن تكون هذه الأمور على أُسُسٍ سليمة.

 

فكما الوحدة في الكنيسة لا تجوز ولا تقوم إلا على كلمة الإنجيل، كذلك الوحدة المسيحيّة وبالتالي الوطنيّة لا يمكن أن تقوم إلا على كتاب الدستور، وأيّ اتفاق أو تسويات بين الأفرقاء خارج ما ورد في الدستور هو هرطقة وخروج على الدولة، وبالتالي هو اتفاقٌ ساقطٌ لا يستقيم، إلّا إذا كان المطلوب تحويل أول ديمقراطيّة في هذا الشرق، لبنان، إلى غابة يتناتشها الوحوش.

 

موقف الكنيسة واضح، وهو إلزامية الالتزام بالدستور وبروحيته القائمة على ديمقراطية تداول السلطة وليس على الديمقراطية التعطيلية المُستقوية بمحورٍ خارجيّ وبسلاحِه من أجل ابتلاع وطن، كان حتى الأمس القريب مثالاً يُحتذى بين أترابه. وعليه، فلنتفق معاً على قانون الإيمان الوطني: نُؤمِن بوطنٍ واحدٍ، سَيّدٍ، حرٍّ، مستقل خارج كلّ المحاور، تحميه قواه الشرعيّة فقط، وكلّ إشراك في قراره من قوى داخلية أو خارجية هو فعل تدنيس. ونؤمن بوطنٍ نهائيٍّ لجميع أبنائه في حدوده المنصوص عنها والمعترف بها دوليّاً، وكلّ استباحة لهذه الحدود من قوى داخلية أو خارجية هو استباحة للوطن.

 

ونؤمن بوطنٍ عربيّ الهويّة والانتماء، مُلتزم بمواثيق جامعة الدول العربيّة وهو أحد مؤسسيها، وملتزم مواثيق وقرارات الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الانسان وهو أحد واضعي شرعته، وكلّ تموضع ضدّ مصلحة الدول العربيّة وضدّ القرارات الدوليّة وضدّ شرعة حقوق الإنسان هو تموضع ضدّ مصلحة لبنان. ونؤمن بجمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة ذات نظامٍ إقتصاديٍّ حرّ، جمهوريّة يَسود قانونها فوق الجميع ولا يكون أحد فوق غرباله مهما علا شأنه.

 

يرأس الجمهوريّة رئيس يُنتَخب قبل شهرين من انتهاء ولاية سلفه، وعدم إحترام المُهَل الدستوريّة هو تجديفٌ على الدستور وإسقاطٌ لقدسيّته، وكلّ نائب تقاعس عن القيام بواجبه باختيار اسمٍ أو بعدم البقاء في البرلمان حتى انتخاب رئيس جديد هو مُجَدِّف، وكلّ ما يحصل بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق هو خُروجٌ على الدستور والدولة والوطن. هذا هو جوهر ايماننا ومن لا يمارسه هو من الخوارج. التوبة النهائية عن الخطيئة، والوحدة في الدستور، هما الطريق إلى تفاهم المسيحيّين ومن ثمّ اللبنانيّين على خلاص لبنان.