يُفترض باللبنانيين المسيحيين أن يلعبوا دوراً مهمّاً في إنقاذ لبنان ممّا هو فيه، في اعتبار أنّ الأزمات المتلاحقة بهذه السرعة تُصيب هذا المكوّن اللبناني بالضرر الأكبر، وتدفعه أكثر فأكثر نحو الهجرة، ما سيفُقد لبنان قريباً الوجه التعدّدي الذي كان يتمتّع به.
ليس للمسيحيين في لبنان أي دعم أو امتداد خارجي، يسمح لهم بالبقاء في هذا البلد من خلال الدعم المالي والمعنوي، وبالتالي فإن تركهم للبلد سيكون بمثابة رحلة نهائية لأنّهم سيذوبون في المجتمعات الجديدة التي يلجأون إليها، في حين أنّ الطوائف اللبنانية الأخرى، ولا سيّما الشيعة والسُنّة، يُشكّلون حالة لإمتدادات إقليمية تدعمهم على مختلف المستويات ولو بنسب متفاوتة، في مقابل أن يشكّلوا في أوقات معينة ذراعاً لهذه القوى الإقليمية، تُستخدم في قضايا ومطالب معينة.
إزاء هذا الواقع، لا يبقى أمام اللبنانيين المسيحيين سوى أن يكونوا رأس حربة في بناء دولة قوية سيدة، تملك قرارها في كلّ المجالات، ولا تسمح بأن يكون لبنان ورقة تلعب بها القوى الإقليمية والدولية لصالح مشاريعها. ويُفترض باللبنانيين المسيحيين أن يدركوا هذا الواقع، فلا يقعوا في مطبّ الإنخراط في أيّ من المحاور أو تغطية المُنخرطين بها. لا بل يتوجّب عليهم أن يكونوا في مقدّمة من يخوضون المواجهة من الكنيسة إلى الأحزاب إلى الجماعات المسيحية. فضعف الحضور المسيحي لا بدّ وأن ينعكس ضعفاً للدولة وكيانها، حتّى ولو تسلّمت شخصيات سياسية مسيحية مشهود لها زِمام الحكم والمناصب الرفيعة. فالمشكلة ليست في الشخص، بل في القدرة على اتّخاذ القرارات وتنفيذها، وفي تحييد لبنان عن صراعات المنطقة لأنّها دمّرت هذا الوطن الذي هو لجميع أبنائه، ودمّرت الوجود المسيحي في الدول التي تشهد هذه الصراعات وسوريا والعراق، وستُدمّر الوجود المسيحي في لبنان، في اعتبار أنّ المسيحي اللبناني، وبالتعاون مع جميع اللبنانيين وفي إطار دولة قوية، قادر على مواجهة الإعتداءات التي تطال لبنان من أي جهة أتت، وقد أثبت ذلك بالفعل، ولكن لا قدرة له على مواجهة وضع اقتصادي ومعيشي ومالي صعب ومتمادٍ. وأحد أسبابه الرئيسية أنّ البعض قرّر وضع لبنان في مواجهة العرب والعالم، فارضاً على اللبنانيين خياراته ونمط عيشه.
إنّ اللبنانيين المسيحيين هم لاعب أساسي في الحفاظ على وجود لبنان وتعدّديته، ولا يجوز أن يتحوّلوا مادة في التاريخ يُحكى فيها عن تدهور دورهم في هذا البلد. فاللبنانيون المسيحيون مدعوون الى الإنتفاض على الواقع الحالي كي لا يتحوّلوا مجرّد ذكرى أو مجرّد ديكور، يرميه صاحب القرار ساعة يشاء.