IMLebanon

المسيحيّون…!!

الان، وقت لكل الهواجس، ولكل الشكوك، ولكل الكوارث، حين يحكى ما يحكى عن مستقبل سوريا، وحين يحكى ما يحكى عن مستقبل المنطقة. اين لبنان، في هذه الحال؟

ثمة ازمة بنيوية في الجمهورية. السنّة والشيعة اثبتوا، تماما كما في العراق، انهم اهل الماضي لا اهل الحاضر ولا اهل المستقبل. نبشوا القبور، وايقظوا الموتى، وراحوا يتراشقون بالجثث. غابة من عيدان الثقاب ولا يمكن لها ان تتعايش او ان تبني بلداً…

هل الذي حدث في الايام الاخيرة يشي بغير ذلك.سواء كنا مع السيد حسن نصرالله اوضده، ولكن من يستطيع ان يغفل ذلك اليوم الذي اهتزت فيه عظام يوشع بن نون حين راحت الدبابات الاسرائيلية تتقهقر من الجنوب والبقاع الغربي، ليكون اللبنانيون مثالا للعرب في ان المقاتلين الذين ترعرعوا على عشق الارض، قادرون على صناعة الاسطورة. في ذلك اليوم من ايار 2000 كانت الاسطورة…

هل يمكن لشريط تافه اعده رجل تافه عن السيد حسن نصرالله ان يهز شعرة في رأسه لكي يحدث ما يحدث، ولكي يكون «الثأر» بالعبارات الفظة التي غاصت في التاريخ، وهو مقبرتنا الكبرى، ولكي يكون التراشق عبر الشبكة العنكبوتية ليظهر مدى هشاشتنا، ومدى قبليتنا، بل ومدى عجزنا عن ان نكون اهلا لقضايانا؟

كما سقط السنة والشيعة في اختبار الدولة في العراق، الدولة التي كان يمكن ان تكون قوة كبرى في المنطقة، سقط السنة و الشيعة اللبنانيون في الرهان على دولة قادرة بعدما عاثت الطبقة السياسية فسادا في الدولة التي تحوّلت الى لادولة، ليس بفعل السلاح غير الشرعي، وهو الذي دحر الغزاة ويفترض ان يكون في مكانه الصحيح من الصراع، وانما بفعل التهتك واستجرار الطريقة العثمانية في ادارة ولايات السلطنة…

ها ان نائبا لبنانيا يقول ان المشروع الايراني اشد خطرا من المشروع الاسرائيلي. هذا الكلام يتردد في ارجاء المنطقة، هل الايرانيون سبب بلوانا في فلسطين؟ وهل الايرانيون السبب في كل مصائبنا، ودون ان نبرئهم، في اي حال، من اطماعهم الامبراطورية، ولكن السنا نحن هكذا منذ ان قامت دولنا الهجينة وانظمتنا الهجينة التي استبقت مجتمعاتنا ان في الثلاجة، او في الاقبية، او في المتاهة، وقد قطعت كل صلة بجدلية الازمنة…

اين المسيحيون في لبنان؟ ليس مسيحيو القادة الذين،بالشخصيات الضحلة والمتراقصة التي تتجاذبها لعبة الانا مثلما تتجاذبها لعبة المصالح، بل المسيحيون الذين اعطوا لبنان الالق الثقافي والفكري، وجعلوا الجمهورية على تماس مع ادبيات العصر واحتمالات العصر…

اين المسيحيون الذين كان يفترض ان يكونوا القوة الثالثة، لا الطائفة الثالثة، التي توحي للمسلمين ببناء معمارية اخرى للاوعي (والوعي) وتأخذهم الى ثقافة الحياة لا الى ثقافة الموت؟

حين وضع اتفاق الطائف لم يوضع ليكون الميثاق الابدي، وقد ازاح المسيحيين جانبا ليغدو رئيس الجمهورية مجرد طربوش في الهواء ( حاولوا ان تستعيدوا بعضا من الشخصيات الباهتة التي شغلت القصر).

وثيقة الطائف التي تختزلها المادة95 من الدستور كانت حالة انتقالية باتجاه اللاطائفة واللاطائفية، قبل ان تتعامل مع النص على انه نص منزل، وقبل ان يتهم كل من يقول بتعديل الصلاحيات بأنه ينفخ في النار، فكيف الحال لمن يقول بالمؤتمر التأسيسي الذي لا بد منه عاجلا ام آجلا بعدما نجحت الطبقة السياسية في ابدال صناديق الاقتراع بصناديق القمامة…

ونسأل، مادمنا نتحدث عن التوازن، وعن المناصفة، اي قانون انتخاب تولينا صياغته منذ عام 1992 ولم يعامل فيه المسيحيون على انهم «اهل ذمة»، ودون ان يكون منطقيا التذرع بالاختلال الديموغرافي اذا كنا نعي ماذا يعني وجود المسيحيين وما هو المفعول الفلسفي للتنوع الطائفي، والثقافي، وحتى اللاهوتي في لبنان؟

الآن،وقت للهواجس حين يتناهى الينا حديث طويل ومعقد حول لعبة الخرائط. وحين تتفكك الخارطة في سوريا على اسس طائفية او مذهبية او اتنية، كيف يمكن للبنان ان يبقى بمنأى ليس فقط عن التداعيات بل عن تفاصيل السيناريو اياه، وقد عاد الحديث عن تسوية لملف الفلسطينيين يتداخل مع السياق الذي يأخذه التغيير في الخرائط…

هذا هو الثمن الذي سيتقاضاه «اشقاؤنا» الاسرائيليون (مادام سعادة النائب يعلن على الملأ ان خطرهم اقل من الخطر الايراني). توطين الفلسطينيين في لبنان، وفي سوريا. على حساب من يحدث ذلك؟ على حساب السنّة ام الشيعة ام على حساب المسيحيين؟

العاجزون (اللاعبون الصغار) عن انتخاب رئيس للجمهورية بكل ويلات المادة 49 من الدستور، هل هم قادرون على التأمل في ما ينتظرنا وينتظر المنطقة؟

لا رئيس للجمهورية لا الان ولا غدا. الاشتباك( او التشابك) السياسي راهنا جزء من السيناريو. كما سوريا على الطاولة، لبنان على الطاولة. ها هي الشوكة و السكين#0236