IMLebanon

محطات مسيحية لبنانية قاتلة  

 

 

يبدو انّه  آن أوان قطف ثمرة مهترئة اسمها لبنان. ليس من تفسير آخر لطرح مشروع قانون انتخابي جديد في مجلس النوّاب في هذه الظروف بالذات. يقوم مشروع القانون على ان لبنان دائرة واحدة من دون التزام للقيد الطائفي. مثل هذا القانون، الذي طرح فجأة فيما البلد على كفّ عفريت، يستهدف نسف الأسس التي قام عليها اتفاق الطائف بطريقة او باخرى. إنّه يمثل في الواقع دعوة الى تغيير وجه لبنان نهائيا وتكريس عزلته العربيّة والدولية.

 

من هذا المنطلق لم يكن طبيعيا طرح مثل هذا المشروع في الظروف الراهنة في وقت لا وجود لحكومة لبنانية ذات مواصفات معروفة تستطيع التعاطي مع الخارج وفي وقت هناك حاجة اكثر من ايّ وقت الى الحصول على مساعدات تضع حدّا، وان في حدود ضيّقة، للانهيار الذي يعاني منه لبنان. لكنّ الواضح انّ «حزب الله» مستعجل على التغيير في البلد تتويجا للانقلاب الذي قام به والذي بدأ عمليا باغتيال رفيق الحريري، في الرابع عشر من شباط 2005، قبل خمسة عشر عاما وثمانية اشهر.

 

كانت هناك حاجة الى كلّ هذه السنوات من اجل الوصول الى الوضع القائم حاليا. كانت الحاجة الى الانتهاء من المسيحيين كمجموعة لبنانية وازنة من جهة وإيجاد نوع من الضياع لدى السنّة وترهيب الدروز في الوقت ذاته، من جهة اخرى. وهذا ما حصل بالفعل، وهذا ما جعل ممكنا تخيير اللبنانيين بين قانون انتخابي جديد ينسف الطائف والقانون المعمول به حاليا والذي لا يترك مجالا لاي تغيير حقيقي في الموازين ما دام «حزب الله» سيبقى قادرا على الاحتفاظ بالأكثرية داخل المجلس.

 

لم يعد مثل هذا الامر سرّا منذ كشف عنه قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني الذي جرت تصفيته على يد الاميركيين في الثالث من كانون الثاني – يناير الماضي. تحدّث سليماني بعيد اجراء الانتخابات النيابية اللبنانية في ايّار – مايو من العام 2018 عن امتلاك ايران لاكثرية في مجلس النواب اللبناني وذلك في معرض عرضه للانجازات التي حققتها «الجمهورية الإسلامية» في طول المنطقة وعرضها.

 

في الطريق الطويل الذي أوصل لبنان الى الوضع الراهن، كان لا بدّ من  استيعاب الأكثرية لدى المسيحيين وتحويل وظيفتها الى غطاء لـ»حزب الله» وسلاحه. حصل ذلك عن طريق وثيقة مار مخايل التي وقعها ميشال عون مع حسن نصرالله في السادس من شباط – فبراير 2006 وذلك بغض النظر عن الثمن الذي سيدفعه البلد، بمسيحييه ومسلميه، لمثل هذا القرار البالغ الخطورة الذي يكشف انتهازية مسيحية ليس بعدها انتهازية وقصر نظر سياسيا يصعب العثور على مثيل له في ايّ مكان من العالم.

 

لم يغط «التيّار العوني» سلاح «حزب الله» وسلوكه الميليشيوي المشين فقط. تجاوز ذلك الى المشاركة في تدمير لبنان عموما وبيروت على وجه الخصوص في اثناء حرب صيف 2006 وما تلاها من اعتصام طويل في وسط العاصمة لتعطيل الحياة فيها ومن خلال وقوفه موقف المتفرّج من غزوتي بيروت والجبل في أيار – مايو 2008. لم يوجد مسؤول في «التيّار العوني» يطرح سؤالا في غاية البساطة من نوع كم عدد الشبان المسيحيين الذين هاجروا بعد الاعتصام في وسط بيروت. كم عدد المؤسسات التي أغلقت أبوابها في تلك المرحلة؟

 

من رفض استيعاب معنى امساك «حزب الله» ومن خلفه ايران بلبنان وعزله عن محيطه العربي، يصعب عليه فهم معنى اغلاق مجلس النواب سنتين ونصف سنة من اجل وصول مرشّح «حزب الله» الى موقع رئيس الجمهورية. يصعب عليه قبل ذلك وبعده فهم معنى ان يصبح «حزب الله» يقرّر من هو رئيس لبنان المسيحي. من الطبيعي، في ضوء العجز عن فهم هذا التحوّل التاريخي في لبنان، ان يوجد حاليا بين المسيحيين من لا يفهم لماذا تلك الهجمة التي شنّها «حزب لله» على النظام المصرفي اللبناني، الذي كان يؤمن لقمة العيش لآلاف العائلات اللبنانية، خصوصا العائلات المسيحية التي ترفض هجرة أبنائها وتدفع كلّ ما تستطيع دفعه من لحمها الحيّ من اجل عودتهم الى لبنان لدى تخرجّهم من جامعات اجنبية. الافظع من ذلك كلّه غياب الوعي المسيحي عموما لابعاد تدمير قسم من بيروت بعد تفجير المرفأ. قضى التفجير على الاحياء المسيحية في بيروت وجعل نحو 300 الف انسان من دون مأوى. دمّر جزءا مما يمكن تسميته الجانب المسيحي من الاقتصاد اللبناني.

 

كانت المحطات الثلاث الأخيرة، بدءا بانتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية في 31  تشرين الاوّل – اكتوبر 2016، وصولا الى تفجير المرفأ في الرابع من آب – اغسطس 2020، مرورا بانهيار النظام المصرفي اللبناني، محطات قاتلة على طريق الإفلاس المسيحي في لبنان وتحوله الى ثمرة مهترئة. لم تعد هذه الثمرة تحتاج الى اكثر من هزّة صغيرة كي تسقط. كان يمكن لمثل هذه الهزّة ان ترتدي شكل قانون جديد للانتخابات لا تعود بعده حاجة الى مؤتمر تأسيسي على شكل ذلك الذي طرحه الأمين العام لـ»حزب الله» قبل سنوات قليلة. لم يكن طرحه وقتذاك بريئا، خصوصا اذا القينا نظرة موضوعية الى ما آل اليه لبنان في السنة 2020.

 

لعلّ اخطر ما في الامر انّ الحزب المسلّح الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الإيراني لا يهمّه ما يحل بلبنان. على العكس من ذلك، يرى ان الاهتراء يصبّ في مصلحته. من لديه ادنى شكّ في ذلك يستطيع التمعّن بردود الفعل التي صدرت عن الحزب بعد تفجير مرفأ بيروت. تصرّف وكأن ما حدث كان في مكان آخر، في بلد آخر لا علاقة له بلبنان…