Site icon IMLebanon

مواطنون لا أقليات في “متحف” الشرق

 

العراق، مثل لبنان وأكثر، “مختصر” الشرق حيث التنوع البشري التاريخي. وهو أقدم منه في الحضارات والثقافات ثم في المسيحية. أول ما فعله داعش في “إدارة التوحش” هو التركيز على إلغاء التنوع لإفراغ العراق من المسيحيين والإيزيديين والصابئة والشبك وسواهم بالقتل والتهجير وتدمير المعابد. وأقل ما حمله البابا فرنسيس في “رحلة الحج” الى مهد الحضارات ونبع الأديان السماوية في أور أب الأنبياء ابراهيم الخليل هو العمل بقول فرنسيس الأسيزي الذي اختار اسمه لحبريته: “يا رب إجعلني وسيلة لسلامك، وحيث الحقد إجعلني أرى الحب”. واجه التراجيديا الرهيبة بإحياء الأمل والرجاء حيث رأى “المسيحية حية” برغم الكنائس المهدمة. وصحّح النظرة التبسيطية الى حقوق المسيحيين بالقول: “من الضروري أن نضمن مشاركة جميع الفئات السياسية والإجتماعية والدينية، وأن نؤمن الحقوق الأساسية لجميع المواطنين، ويجب ألا يُعتبر أحد مواطناً من الدرجة الثانية”.

 

ذلك أن نظرة الفاتيكان الى الوجود المسيحي دقيقة. فالمعادلة أيام البابا يوحنا بولس الثاني هي: “إن إزدهار المسيحية في لبنان شرط لوجود الأقليات المسيحية في الشرق”. وهي أيام البابا بنديكتوس السادس عشر، القائل في كتابه “نور العالم”: مصير المسيحيين هو مصير الشرق الديموقراطي، لا الأصولي”. ومن المهم أن يسمع البابا فرنسيس قول الرئيس العراقي برهم صالح: “مسيحيو الشرق هم أهل هذه الأرض وملحها، ولا يمكن تصور الشرق بلا المسيحيين”. وحديث المرجع الشيعي علي السيستاني عن “تمتع المسيحيين بالمساواة والحقوق الدستورية”. لكن الأهم هو الترجمة العملية للمساواة والحقوق. فما معنى الوجود إذا أصبح المسيحيون كائنات بيولوجية في “متحف” الشرق؟ وماذا تفعل حجارة الكنائس اذا غابت الروح، وماذا يضيف المسيحيون الى الوجود الإنساني إذا كانوا مواطنين من الدرجة الثانية؟

 

في كتاب “دعنا نحلم: الطريق الى المستقبل” يقول البابا فرنسيس: “يجب أن نعيد التفكير في أولوياتنا: ما الذي نراه قيّماً، ماذا نريد، عما نبحث، ونعمل على تحقيق ما نحلم به”. وما ردده في العراق يصح في لبنان حيث العيش المشترك بالمعنى السياسي، لا فقط البيولوجي. فلا أحد يستطيع أن يزايد على الفاتيكان في الحرص على المسيحيين و”القلق على وجودهم في الشرق بعدما زال القلق حيال وجودهم في أوروبا الشرقية” كما كان يقول البابا يوحنا بولس الثاني. ولا شيء يضمن حقوق المسيحيين سوى ما يضمن حقوق الجميع. ولا ضمان لحقوق الجميع إلا بالديموقراطية في دولة المواطنة، حيث حقوق المواطنين هي الأساس. والتجارب وراءنا وأمامنا: إنفراد كل طائفة بالبحث عن حقوقها وصفة لحرب أهلية دائمة.

 

والتعددية الديموقراطية ليست مجرد ديكور ديموقراطي.