IMLebanon

هل يبقى مسيحيون يدافع ميشال عون عن حقوقهم!  

 

مخيف كلام وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان الخميس الماضي عن «قرب انهيار لبنان» نهائيا. يشير لودريان الى ان ما يتنازعه هو « الحزن والقلق والاضطراب الداخلي والغضب» بسبب الانهيار اللبناني الحاصل وتأثير ذلك ليس على لبنان واللبنانيين فحسب، بل «على اللاجئين الفلسطينيين والسوريين في لبنان وعلى المنطقة كلّها ايضا».

 

يبدو واضحا ان الوزير الفرنسي يريد التحدث عن فرصة أخيرة وفترة قصيرة ما زالت متاحة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في لبنان. لا يريد لودريان، ربّما من زاوية رفض الاستسلام لليأس، اخذ العلم بانّ الانهيار حصل فعلا وانّ لبنان في مرحلة السقوط الحرّ في فراغ لا قعر له. يعود التدهور في لبنان، من وجهة نظره، الى رفض المسؤولين فيه تحمّل مسؤولياتهم واحترام العهد الذي اعطوه الى الرئيس ايمانويل ماكرون في زيارتيه لبيروت بعد تفجير مرفأ العاصمة اللبنانية في الرابع من آب – أغسطس 2020. تعهّد هؤلاء جميعا امام ماكرون، وقتذاك، بتشكيل حكومة تضمّ اختصاصيين تنفّذ الإصلاحات المطلوبة، بما يسمح للبنان بالحصول على مساعدات خارجية.

 

يُفترض بوزير الخارجية الفرنسي معرفة المزيد عن لبنان. ما الذي يمكن توقّعه في بلد رئيس الجمهورية فيه ميشال عون وصهره جبران باسيل فيما المسيطر عليه فعليا هو «حزب الله» الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الإيراني»؟ يعني وجود مثل هذه المعادلة تحوّل لبنان الى مجرّد ورقة إيرانية. لا مكان للوجود المسيحي الفاعل في لبنان، بل للبنان كلّه في هذه المعادلة التي تتحكّم ايران بكلّ شاردة او واردة فيها.

 

انهار لبنان كلّيا لا اكثر ولا اقلّ. لم يبق سوى كتابة وثيقة الوفاة… والترحّم على بلد فقد كلّ المقومات التي تأسّس عليها، فيما رئيس الجمهورية ورئيس الجمهورية الفعلي يرفضان الاعتراف بذلك، بل يعيشان في ماض لا علاقة له من قريب او بعيد بالواقع. يرفضان قبل كلّ شيء الاعتراف بانّ «حزب الله الذي أوصل ميشال عون الى موقع رئيس الجمهورية بفضل جبران باسيل،  يستطيع اخذ جبران والبلد كلّه الى عزلة عربيّة اوّلا والى نوع من العزلة الدولية ثانيا وأخيرا.

 

لم يعد لبنان يهمّ أحدا، لا عربيّا ولا دوليا، الّا اذا استثنينا فرنسا. صار مصير لبنان مرتبطا بكلّ وضوح بايران ومشروعها التوسّعي في المنطقة، وهو مشروع لا افق له. لا افق لهذا المشروع نظرا الى ان ايران تريد ابتلاع اكثر بكثير مما تستطيع هضمه. كيف يمكن لرئيس لبناني ربط البلد بمشروع مفلس أصلا من منطلق انّه يريد المحافظة على حقوق المسيحيين. هل سيبقى في لبنان مسيحيون كي يحافظ ميشال عون وصهره على حقوقهم؟ ذلك هو الخطأ الذي لا يغتفر لميشال عون الذي قبل ان يكون رئيسا للجمهورية بفضل «حزب الله» من دون ان يقف لحظة امام مرآة وان يسأل نفسه عن النتائج التي يمكن ان تترتّب على ذلك.

 

ثمة جوانب عدّة للمأساة اللبنانية. كان الفصل الأخير انتخاب ميشال عون، مرشّح «حزب الله» رئيسا للجمهورية في 31  تشرين الاوّل – أكتوبر 2016. لدى ميشال عون حقد ليس بعده حقد على اهل السنّة في لبنان وعلى رفيق الحريري بالذات. يعتبر انّ رفيق الحريري حرمه من الوصول الى موقع رئيس الجمهورية في العام 1989 وذلك بعد لعبه دورا رئيسيا في التوصّل الى اتفاق الطائف الذي أوقف الحرب في لبنان.

 

تكمن مشكلة ميشال عون جبران باسيل، الذي اوصله الى رئاسة الجمهورية عن طريق «حزب الله»، في انهما لا يعرفان شيئا عن حقيقة الوجود المسيحي في لبنان والاسس التي قام عليها هذا الوجود تاريخيا. بحجة الدفاع عن حقوق المسيحيين يمنع ميشال عون وجبران باسيل تشكيل حكومة لبنانية يمكن ان تكون بارقة الامل الوحيدة بالنسبة الى لبنان، خصوصا انّ مثل هذه الحكومة ستضمّ اختصاصيين فقط مهمّتهم تنفيذ الإصلاحات المطلوبة. المسيحيون في لبنان نهضة اقتصادية وشراكة مع المسلمين… ومدرسة وجامعة ومصرف وصحيفة وفضائية وفندق ومستشفى ومطعم وخدمات ومكان آمن يقيم فيه الزوّار العرب والاجانب في ظلّ الحرّيات وليس تهديد سلاح «حزب الله»…

 

لماذا يبقى هناك وجود مسيحي يمتلك تأثيره في لبنان عندما تنتفي كل المقومات التي توفّر فرص عمل للمواطن؟ هذا ما لم يدركه ميشال عون يوما. لم يدرك معني إعادة الحياة الى بيروت وبناء وسطها كي يكون منطلقا لاعادة الحياة الى لبنان كلّه. الأخطر من ذلك كلّه، انّه لم يدرك ولن يدرك انّ ما يقوم به حاليا يؤدي الى تهجير اكبر عدد من اللبنانيين من لبنان. تهجير المسيحيين ليس غريبا عن شخص لم يستوعب في العامين 1989  و  1990، عندما كان في قصر بعبدا بصفة كونه رئيسا لحكومة مؤقتة مهمتها تأمين انتخاب رئيس جديد للجمهورية خطورة الحرب المسيحية – المسيحية. وقتذاك، اختار قائد الجيش ميشال عون الدخول في مواجهة مباشرة مع «القوات اللبنانية». استتبع ذلك موجة هجرة واسعة للمسيحيين.

 

في ظلّ المعادلة القائمة على الأرض اللبنانية، لا امل كبيرا في تشكيل حكومة.  ما الذي تستطيع فرنسا عمله في هذه الظروف؟ ايّ نوع من التفاهمات تستطيع التوصّل اليها مع ايران المهتمّة أساسا في إعادة العمل بالاتفاق في شأن ملفّها النووي بموجب شروط خاصة بها؟

 

يدلّ كلام وزير الخارجية الفرنسي انّ باريس لم تفقد الامل نهائيا في امكان عمل شيء من اجل لبنان. فقدت الامل في الطبقة السياسية اللبنانية وفي احتمال ان تفعل هذه الطبقة شيئا من اجل البلد. كانت كلّ كلمة نقلتها الزميلة رنده تقيّ الدين عن رأي قصر الاليزيه في جبران باسيل ودوره في عرقلة تشكيل الحكومة صحيحة. يدلّ على ذلك عدم صدور أي نفي لكلامها، بل كلّ ما صدر عن باريس هو بمثابة تأكيد له. على الرغم من ذلك كلّه، قد يكون لدى فرنسا ما يبرّر وجود بارقة امل بالنسبة الى لبنان.

 

في حال استمرّ الوضع اللبناني على ما هو عليه، لن يبقى فيه مسيحيون للدفاع عن حقوقهم وللتذرّع بها لعرقلة تشكيل حكومة ذات مواصفات محدّدة بعيدا عن محاصصات تعبّر افضل تعبير عن افلاس «عهد حزب الله» الذي بدأ مع دخول ميشال عون قصر بعبدا في 2016.