على الرغم من المساعي التي قام بها قبل سنوات البطريرك الماروني الراحل نصرالله صفير، لجمع الاقطاب المسيحيين وإزالة العداوات في ما بينهم، تحت شعار مصلحة لبنان فوق كل اعتبار، لان المصالح الخاصة تزول امام مصلحة الوطن، إلا انها بقيت حبراً على ورق، لانه لم يفلح في تحقيق تلك المهمة الشاقة، وتبعه وسطاء آخرون لم ينجحوا ايضاً، الى ان عاود المهمة البطريرك بشارة الراعي، فعمل «على القطعة» ونجح من خلال مصالحة «القوات» و «المردة» وجمع سمير جعحع بسليمان فرنجية، لكنه لم يستطع حتى اليوم جمع الاقطاب، لان لا احد منهم تنازل في أي مرة عن مصالحه، خصوصاً انّ الاقطاب الموارنة طامحون دائماً الى الكرسي الرئاسي، لذا لا مجال لذلك، فالفشل سيكون دائماً في المرصاد.
الى ذلك، وفي ظل هذا التناحر المسيحي المستمر منذ عقود، خصوصاً بين الحزبين الابرز على الساحة المسيحية، أي «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية»، تبدو مفاعيل ذلك التناحر كبيرة وتتسّع كل يوم، بحسب مصادر مسيحية، من دون مراعاة وإستشعار الاخطار التي تحدّق بالمسيحيين، وتطوقهم وتحّد من مواقفهم وقراراتهم في الدولة، جرّاء تراجع قوتهم السياسية، الامر الذي ادى الى نسبة هجرة كبيرة في صفوفهم، تحتل المركز الاول بين نسب الهجرة اللبنانية، ما ادى الى خلل ديموغرافي يهدّد المسيحيين اليوم وبقوة، اذ باتوا يشكلون نسبة ضئيلة، بسبب الحروب التي عايشوها خصوصاً حرب الاخوة التي اضعفتهم وكادت ان تقضي عليهم، الامر الذي يخيف المرجعيات الدينية، ويطرح اسئلة عن الحلول المطلوبة ازاء ما يجري؟ فيما تبقى غائبة لتساهم كل فترة في طروحات من قبل الطامحين بتغيير النظام، وبعقد مؤتمر تأسيسي يوصل الى المثالثة التي تخيف المسيحيين ومرجعيتهم في بكركي، التي اكدت رفضها لهذا الطرح وبشكل قاطع، لان أيّ مسّ بالدستور هو قفزةٌ في المجهول، رافضة تغييّر هوية لبنان من خلال تغيير الميثاق الوطني، وشددّت على ضرورة الاصلاح اولاً، مذكّرة بأنه سبق للبطريرك الراعي ان حذر من محاولة البعض التسويق لهكذا مؤتمر، لانه يؤمن بالعيش المشترك والشركة بين اللبنانيين على مختلف طوائفهم.
هذا وترى مصادر بكركي بأنّ المؤتمر التأسيسي يؤدي الى خلل داخلي، لان لبنان مبنيّ على الالتزام بالميثاق، لكن ما يجري اعطى حجة للبعض لطرح هذا المؤتمر، بعد ان طرح منذ فترة وجرى سحبه من التداول بسبب رفضه من اكثرية الافرقاء السياسيين. لكن كل فترة يعاد طرحه من جديد ولأي سبب؟ فالظروف لا تسمح بمؤتمر تأسيسي يضرب الصيغة التي توافق عليها السياسيون في مؤتمر الطائف، مما يعطي الفوز للبعض على حساب الفئات الأخرى، فينتج من ذلك إلغاء تعددّية المجتمع اللبناني، مؤكدة وجود هواجس لدى بكركي من تعطيل الاستحقاقات الدستورية وأبرزها تعطيل الانتخابات النيابية، فيما المطلوب دعم المؤسسات وإجراء الاستحقاقات، لذا علينا التيقظ ورفض كل ما يحاك لهذا البلد والتمسّك بالمناصفة والعيش المشترك. ورأت المصادر نفسها أن التعددية اللبنانية شيء ايجابي، لكن في المقابل يجب ان تعترف القوى السياسية ببعضها، ففي لبنان شعب واحد وتاريخ واحد، لذا لا نحتاج الى تأسيس لكن عليهم ان يعترفوا بالتعددية لان الاختلاف غنى، مذكّرة بلاءات البطريرك الراعي وهي: لا للمثالثة، لا للمؤتمر التأسيسي ولا لنقض الدستور.
وختمت مصادر بكركي بأنّ الوحدة المسيحية قوة وفي حال تحققت ستقضي بالتأكيد على أي طرح من هذا النوع، لانّ الساعين اليها ينطلقون من خلافات القيادات المسيحية، التي تشكل ضعفاً سياسياً كبيراً في صفوفهم، يساعد هؤلاء على تلك الطروحات المرفوضة.