في صيدا وفي غيرها، لهم دولتهم يفرضون على السيدات عرفهم لارتياد البحر من دون أن تحرك الدولة ساكناً لحماية الحرية الفردية. في عرمتى وفي غيرها، لهم دولتهم وتجري المناورات وتستعرض الأسلحة والمسلحين من دون أن تحرك الدولة ساكناً كجهة وحيدة لها الحق بامتلاك السلاح واتخاذ قرار الحرب والسلم.
لا يبدو في الأفق ما يشير إلى أنّ أصحاب التطرف والسلاح سيتخلون عن مشاريعهم، وبالتالي سيبقى رفض قيام الدولة هدفاً لهم لتعزيز دويلاتهم والتحكم بالبلاد ككل من خلال منطق القوة والفرض.
من يدفع ثمن هذا الواقع هم المواطنون اللبنانيون الذين يرفضون مشاريع هؤلاء، وفي مقدمة هؤلاء المواطنين جزء كبير من المسيحيين الذين لم ينخرطوا في تحالف مع مشروعيْ التطرف والسلاح، وبالتالي وجب على هؤلاء أن يفتّشوا عن صيغة تجعلهم في منأى عن هذه المشاريع وتحفظ وجودهم في هذا البلد.
الخطوة الأولى في هذا الإطار هي أن يقتنع المسيحيون أن أيّ تحالفٍ مع مشروعيْ التطرف والسلاح هو مشروع إنتحاري سيقضي عليهم سريعاً، وأنّ عليهم أن يعلنوا الطلاق مع هذين المشروعين، وأن يتّجهوا فعلياً وعملياً نحو كيان يحفظ وجودهم وخصوصيتهم، فيحمي حريتهم وحرية من يرغب من اللبنانيين، ويبعدهم عن تداعيات أي حرب لا ترتبط بمشروع لبناني وبمصالح لبنانية.
إنّ جزءاً كبيراً من اللبنانيين من مسيحيين وغيرهم يرغبون في العيش بهدوء واستقرار يؤدي إلى ازدهار البلد كما يزدهر العديد من دول المنطقة، ولا يرغب هؤلاء في العيش في بلدٍ يتجه البعض به نحو العصور الظلامية وحقن النفوس بلغة الحديد والنار والقتل والعنف، وبالتالي يستحيل التوافق أو التعايش بين هذين الإتجاهين. ولا وجود في هذه الحال لما يعرف بالوحدة الوطنية والعيش المشترك، بل الحقيقة أن الإستمرار في جمع هذين الضدين هو الوصفة المثالية لإعادة تفجير البلد كما لم ينفجر سابقاً.
إنّ المسيحيين مطالبون بأن يجاهروا بهذه الحقيقة وأن يطلبوا الحل على أساسها، لأنّ الإستمرار في الرهان على تغيير عند الآخرين هو رهان خاسر ومدمر سيؤدي إلى هجرة من تبقى، ومن لن يجد سبيلاً لذلك سيضطر للقبول بالعيش المذل تحت سلطة مشروعي التطرف والسلاح.