كانت واضحةً خشية البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من الشغور المرتقب في موقع قائد الجيش ليكون بذلك الموقع الماروني الثالث الذي يحرم منه الموارنة قسراً بعد رئاسة الجمهورية وحاكمية مصرف لبنان.
الخشية لدى البطريرك الراعي وباقي المسيحيين هي من تراجع الدور والحضور المسيحيين ليس على مستوى الدولة بل على مستوى لبنان ككل، لا سيما وأنّ القرار في هذه الدولة لم يعد لا في يد المسيحيين ولا في يد غيرهم من المكونات بل هو في يد مجموعة حزبية تدير البلاد كما ترغب أو كما يقتضي مشروعها وتربط مصير اللبنانيين بما تريده هي من دون أي اعتبارٍ للمصلحة العليا اللبنانية التي تتجسد في استقرار كاملٍ سياسي وأمني.
هذا الواقع لا بد للبنانيين ولا سيما المسيحيين أن يعملوا على تغييره لأنّ استمراره يعني استمرارهم في المسار الإنحداري الذي لا يعترف به البعض إمّا مكابرة وإمّا إرضاءً لبعض القوى التي تمسك بزمام القرار، ولا بد من التحذير من أنّ استمرار هذا المسار في السنوات المقبلة سيوقع المسيحيين في أخطر مما هم فيه الآن إذ سيُخرجهم من دائرة الوجود السياسي في الوطن تمهيداً لخروج ديمغرافي.
لن يستطيع المسيحيون الإستمرار إن لم يوحّدوا استراتيجية العمل المبنية على البقاء لا أن يعتمدوا تكتيكات قد تعطي بعضهم مكاسب هشة على حساب وجودهم الفاعل، والخطوة الأولى في هذا الإطار هي انتخاب رئيسّ للجمهورية تحت عنوان قيام الدولة التي لا شريك لها لا في السيادة ولا في القرار، وكل توجهٍ مغاير من قبل أي شريك في الوطن يفترض أن يدفعهم باتجاه الطروحات الإستقلالية التي لا خيار سواها إما من أجل ردع من يرفضون وجود الدولة القوية القادرة والقبول بها، وإمّا أن يقتنع هؤلاء بأنّ أي صيغةٍ استقلاليةٍ للمكونات اللبنانية هي الطريق الوحيد للخلاص ولبناء الثقة والاستقرار.
إنّ من المفارقات غير المفهومة في لبنان أنّ المسيحيين وفي مراحل مختلفةٍ من الصراع السياسي أضاعوا الكثير من الفرص لإنقاذ أنفسهم وإنقاذ لبنان وكل ذلك ناتج عن عدم وجود استراتيجية بعيدة المدى اقله منذ الفراغ الرئاسي الأول في العام 1988 وما تبعه من اقتتال دمر أرضية القوة المسيحية بشقيها العسكري والسياسي واستكملت هذه العملية من خلال ربط بعض المسيحيين أنفسهم بمشروع سياسي لا يشبههم ولا يشبه الوطن الذي يسعون إليه.
إن المسيحيين في لبنان هم أول المطالبين بالعودة إلى لبنانيتهم فليهجروا كل ما هو غريب عنهم ويتشبثوا بما لهم ولو بالقوة.