يمكن باختصار القول ان الحكومة الحالية كما مجلس النواب نجحا الى حد بعيد خلال العام الحالي الذي يطوي آخر صفحاته بعد ساعات، بادارة الفراغ الذي بدأ بشغور سدة رئاسة الجمهورية وتسلل الى معظم مؤسسات وادارات الدولة، بنجاح. فبعد التسلم السلس الذي شهدته المديرية العامة للأمن العام بين عباس ابراهيم والياس البيسري وبعده في مصرف لبنان بين رياض سلامة ونائبه وسيم منصوري، استُكمل مسلسل ادارة الفراغ مؤخرا بتمديد ولاية قائد الجيش العماد جوزاف عون. وتبين ان كل التحذيرات والتهويل من شغور في الحاكمية يؤدي لانهيار اضافي دراماتيكي لليرة او في قيادة المؤسسة العسكرية يهدد بانفراط عقده، يندرج باطار رفع السقوف لتفادي السيناريوهات الاسوأ.
صحيح اننا تفادينا الاسوأ في الايام الـ 365 الماضية لكن ذلك لا يعني اطلاقا اننا تجاوزناه، اذ يهدد استمرار سياسة الترقيع في الاشهر المقبلة بتلاشي ما تبقى من سقف هذه الدولة خاصة اذا صحت مخاوف كثيرين من ضربة عسكرية اسرائيلية موسعة ستكون بمثابة ضربة قاضية لن يتمكن لبنان من النهوض بعدها بسهولة.
ولا شك أن المسيحيين كانوا ابرز الخاسرين في اللعبة السياسية خلال العام المنصرم. فمع شغور الموقع المسيحي الابرز في البلد، تسلمت حكومة تصريف الاعمال مهامه، هي التي لا يشارك في قرارتها الحزبان المسيحيان اللذان يختصران الى حد كبير تمثيل الطائفة وهما “التيار الوطني الحر” الذي يُقاطع وزراؤه اجتماعاتها كما حزب “القوات اللبنانية” الذي هو اصلا غير ممثل فيها.
وفقد المسيحيون، وان مرحليا خلال العام 2023، حاكمية مصرف لبنان حتى كادوا يفقدون موقع قيادة الجيش نتيجة الخلافات المتمادية بين قياداتهم.
ورغم اعتراضاتها على مواصلة مجلس النواب عمله التشريعي في ظل غياب رئيس الجمهورية، وجدت الاحزاب المسيحية نفسها تغطي تباعا الجلسات التي واظب رئيس المجلس النيابي نبيه بري على الدعوة اليها، ضاربة بعرض الحائط مواقف قالت انها مبدئية مع مغادرة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون قصر بعبدا.
وليس خافيا ان المستفيدين الابرز من “الخسارة المسيحية” كانا “الثنائي الشيعي” كما رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي اللذين وجدا نفسيهما متحكمين بكل مفاصل الدولة في ظل معارضة مسيحية تحتد حينا وتخفت احيانا.
وبالرغم من عشرات الانتقادات التي قد توجه للطبقة الحاكمة الا انه لا يمكن التغاضي انها نجحت بضبط تفلت سعر الصرف الى حد بعيد وان كانت الاجراءات المتخذة غير ثابتة وآمنة ما يهدد بانهيار نقدي جديد في اية لحظة. كذلك يصح الحديث عن انجاز على المستوى الامني حققته الاجهزة الامنية وعلى رأسها قيادة الجيش، اذ ظلت الاحداث الامنية محدودة جدا رغم الاوضاع الاقتصادية الصعبة وانتشار اكثر من مليون ونصف نازح سوري في كل المناطق اللبنانية. فلم يُسجل خلال الـ2023 الا جولتي قتال في مخيم “عين الحلوة” قبل ان تندلع المواجهات في الجنوب بعد السابع من اكتوبر، وهي مواجهات لا علاقة للامن الداخلي بها كونها مرتبطة بوضع اقليمي معقد.
وتبقى الخشية الاكبر مع انطلاق العام الجديد من توسع هذه المواجهات بقرار اسرائيلي في ظل التهديدات المتواصلة التي تصدر عن مسؤولين اسرائيليين وعودة الاميركيين لسياسة التراخي في التعامل مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بما يتعلق بالحرب في غزة.
ويقول احد المسؤولين اللبنانيين ان احتمالات حصول ضربة للبنان تعادل احتمالات عدم حصولها، لافتا الى انه حتى لو تجاوزنا هذا القطوع، فان استمرار الحرب في غزة اشهرا اضافية سيعني مزيدا من حرب الاستنزاف في لبنان التي تؤدي رويدا رويدا لتآكل كيان الدولة وصولا لتداعيه قريبا.